والمراد : الحث على استعداد الخيل العتاق التي تربط وتعلف بقصد الجهاد ، وهو من جملة القوة ، فهو من عطف الخاص على العام ، للاعتناء بأمر الخيل لما فيها من الإرهاب. ولذلك قال : (تُرْهِبُونَ بِهِ) أي : تخوفون بذلك الأعداء ، أو بما ذكر من الخيل المربوطة ، (عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) ، يعنى : كفار مكة ، (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) أي : من غيرهم من الكفرة ، كفارس والروم وسائر الكفرة ، (لا تَعْلَمُونَهُمُ) أي : لا تعرفونهم اليوم ، (اللهُ يَعْلَمُهُمْ) ، وسيمكنكم منهم ، فتقاتلونهم وتملكون ملكهم ، (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ) ، فى شأن الاستعداد وغيره ؛ مما يستعان به على الجهاد ، (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) جزاؤه ، (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) بتضييع عمل أو نقص أجر ، بل يضاعفه لكم أضعافا كثيرة ، بسبعمائة أو أكثر. والله تعالى أعلم.
الإشارة : وأعدوا ، لجهاد القواطع والعلائق التي تعوقكم عن الحضرة ، ما استطعتم من قوة ، وهو العزم على السير من غير التفات ، ومن رباط القلوب فى حضرة الحق ، ترهبون به عدو الله ، وهو الشيطان ، وعدوكم ، وهى النفس ، وآخرين من دونهم : الحظوظ واللحوظ وخفايا خدع النفوس ، لا تعلمونهم ، الله يعلمهم ؛ كالرياء والشرك الخفي ، فإنه يدب دبيب النمل ، وما تنفقوا من شىء يوف إليكم أضعافا مضاعفة ، بالعز الدائم والغنى الأكبر ، وأنتم لا تظلمون.
وقال الورتجبي : أعلم الله المؤمنين والعارفين استعداد قتل أعداء الله ، وسمى آلة القتال بقوة ، وتلك القوة قوة الإلهية ، التي لا ينالها العارف من الله إلا بخضوعه بين يديه ، بنعت الفناء فى جلاله ، فإذا كان كذلك يلبسه الله لباس عظمته ونور كبريائه وهيبته ، ويغريه إلى الدعاء عليهم ، ويجعله منبسطا ، حتى يقول فى سره : إلهى خذهم ، فيأخذهم بلحظة ، ويسقطهم صرعى بين يديه بعونه وكرمه ، ويسلى قلب وليه بتفريجه من شرور معارضيه ومنكريه ، وذلك سهم رمى نفوس الهمة عن كنانة الغيرة ، كما رمى نبى الله صلىاللهعليهوسلم إلى منكريه حين قال : «شاهت الوجوه» ، وهذا الرمي من الله بقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).
سمعت أن ذا النون المصري رضى الله عنه كان فى غزو ، وغلب المشركون على المؤمنين ، فقيل له : لو دعوت الله ، فنزل عن دابته وسجد ، فهزم المشركون فى لحظة ، وأخذوا جميعا ، وأسروا ، وقتلوا.
وأيضا : وأعدوا : أي : اقتبسوا من الله قوة من قوى صفاته لنفوسكم حتى يقويكم فى محاربتها. قال أبو على الروذبارى ، فى قوله : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ، فقال : القوة هى الثقة بالله ، قيل ظاهر الآية : إنه الرمي بسهام القسي. وفى الحقيقة : رمى سهام الليالى فى الغيب ؛ بالخضوع والاستكانة ، ورمى القلب إلى الحق ؛ معتمدا عليه ، راجعا إليه عما سواه. ه.