ثم أمر بجهاد من لم ينته عن كفره ، فقال :
(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠))
يقول الحق جل جلاله : وقاتلوا من لم ينته عن كفره (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، أي : حتى لا يوجد منهم شرك ، فهو كقوله عليه الصلاة السلام : «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا : لا إله إلّا الله» (١). (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) بحيث تضمحل الأديان الباطلة ويظهر الدين الحق ، (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن الكفر وأسلموا ، (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ؛ فيجازيهم على انتهائهم ، وقرأ يعقوب بتاء الخطاب ؛ على معنى : فإن الله بما تعملون يا معشر المسلمين ؛ من الجهاد ، والدعوة إلى الإسلام ، والإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، (بَصِيرٌ) فيجازيكم ، ويضاعف أجوركم بمن أسلم على أيديكم.
(وَإِنْ تَوَلَّوْا) ، ولم ينتهوا عن كفرهم ، (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) ؛ ناصركم ، فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم ، (نِعْمَ الْمَوْلى) ؛ فلا يضيع من تولاه ، (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ؛ فلا يغلب من نصره.
الإشارة : يؤمر المريد بجهاد القواطع والعلائق والخواطر ، حتى لا يبقى فى قلبه فتنة بشىء من الحس ، ويكون القلب كله لله ، فإن انتهت القواطع فإن الله بصير به ، يجازيه على جهاده ، ومجازاته : إدخاله الحضرة المقدسة ، مع المقربين ، وإن لم ينته فليستمر على مجاهداته وانقطاعه إلى ربه ، وليستنصر به فى مجاهدته ، فإن الله مولاه وناصره ، وهو نعم المولى ونعم النصير.
ثم ذكر قسم الغنائم التي تنشأ عن القتال ، فقال :
(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١))
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (الاعتصام ـ باب الاقتداء بسنن النبي صلىاللهعليهوسلم) ومسلم فى (الإيمان ـ باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.