يقول الحق جل جلاله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ؛ آدم عليهالسلام ، (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) أي : خلق من ضلعها زوجها حواء ، سلها منه وهو نائم ، (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ؛ ليستأنس بها ، ويطمئن بها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه.
(فَلَمَّا تَغَشَّاها) أي : جامعها حين ركبت فيه الشهوة ، (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) أي : خف عليها ، ولم تلق منه ما تلقى بعض الحبالى من حملهن من الأذى والكرب ، أو حملا خفيفا ، يعنى النطفة قبل تصورها ، (فَمَرَّتْ بِهِ) أي : ذهبت وجاءت به ، مخففة ، واستمرت إلى حين ميلاده ، (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) أي : ثقل حملها وصارت به ثقيلة لكبره فى بطنها ، (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) آدم وحواء ، قائلين : (لَئِنْ آتَيْتَنا) ولدا (صالِحاً) أي : سويا سالما فى بدنه ، تام الخلقة ، (لَنَكُونَنَ) لك (مِنَ الشَّاكِرِينَ) على هذه النعمة المجددة.
(فَلَمَّا آتاهُما) ولدا (صالِحاً) كما سألا ، جعل أولادهما (لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) ، فسموا عبد العزى وعبد مناف وعبد الدار. فالآية إخبار بالغيب فى أحوال بنى آدم ممن كفر منهم وأشرك ، ولا يصح فى آدم وحواء هذا الشرك ؛ لعصمة الأنبياء ، وهذا هو الصحيح. وقد يعاتب الملك الأب على ما فعل أولاده ، كما إذا خرجوا عن طاعته فيقول له : أولادك فعلوا وفعلوا ، على عادة الملوك.
وقيل : لما حملت حواء أتاها إبليس فى صورة الرجل ، فقال لها : وما يدريك ما فى بطنك لعله بهيمة أو كلب ، وما يدريك من أين يخرج؟ فخافت من ذلك ، ثم قال لها : إن أطعتينى ، وسميته عبد الحارث ، فسأخلصه لك ، وكان اسم إبليس فى الملائكة : الحارث ، وإن عصيتنى قتلته ، فأخبرت بذلك آدم ، فقال لها : إنه عدونا الذي أخرجنا من الجنة ، فلما ولدت مات الولد ، ثم حملت مرة أخرى ، فقال لها إبليس مثل ذلك ، فعصته ، فلما ولدت مات الولد ، ثم حملت مرة ثالثة ، فسمياه عبد الحارث ؛ طمعا فى حياته (١) ، فقوله : (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) أي : فى التسمية لا غير ، لا فى عبادة غير الله.
والقول الأول أصح ، لثلاثة أوجه : أحدها : أنه يقتضى براءة آدم وحواء من الشرك ، قليله وكثيره ، وذلك هو حال الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ. والثاني : أنّ جمع الضمير فى قوله : (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، يقتضى أن الشرك وقع من أولادهما ، لا منهما. الثالث : أن هذه القصة تفتقر إلى نقل صحيح ، وهو غير موجود. انظر : ابن جزى.
الإشارة : قال الورتجبي : فى قوله (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) : لم يجد آدم عليهالسلام فى الجنة إلاسنا تجلى الحق ، فكاد أن يضمحل بنور التجلي ، لتراكمه عليه ، فعلم الله ـ سبحانه ـ أنه لا يتحمل أثقال التجلي ، وعرف أنه يذوب فى نور
__________________
(١) هذه القصة يظهر عليها أنها من آثار أهل الكتاب ، وقد أعلّها أهل الحديث ، رغم ورودها فى كتب الحديث وغيرها. راجع تفسير : ابن كثير (٢ / ٢٧٥) ، والإسرائيليات والموضوعات للشيخ أبى شهبة (١٧٩). والآية تتحدث عن (نمط) فى السلوك البشرى ، وترسم نموذجا لأى زوجين بشريين يريدان الإنجاب من الله ـ بإلحاح ، وعند ما يعطيهما الله تعالى ما سألاه ، ينسبان ذلك لغير الله تعالى.