على القلوب والتصميم على الكفر ، بعد إلزام الحجة والإرشاد إلى النظر ، وقيل : هو متعلق بقوله : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ؛ كأنه قيل : لعل أجلهم قد اقترب ، فما لهم لا يبادرون بالإيمان بالقرآن ، وما ذا ينتظرون بعد وضوحه؟ وإن لم يؤمنوا به فبأى حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا به؟! .. قاله البيضاوي.
ثم بيّن أن أمرهم بيده ، فقال : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) أصلا ، ولا يقدر أحد عليه ، (وَنَذَرُهُمْ) (١) (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) : يتحيرون. ومن قرأ بالياء فمناسب لقوله : (من يضلل) ، ومن جزمه فعطف على محل : (فلا هادى له) ؛ لأنه جواب الشرط.
الإشارة : قد أرشد الحق ـ تعالى ـ عباده إلى التفكر والاعتبار ، وقد تقدم الكلام عليه في «آل عمران» ، وقد علّم هنا أهل الاستدلال كيفيته ؛ وهو أن ينظر الإنسان فى أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وما ظهر على يديه من المعجزات وخوارق العادات ، وأعظمها القرآن العظيم ، ثم ما أتى به من العلوم اللدنية والأسرار الربانية ، وما نطق به من الحكم العجيبة ، وما أخبر به من قصص الأمم الدارسة والشرائع المتقدمة ، مع كونه أميا لم يقرأ ولم يكتب ، ولم يجالس أحدا ممن له خبرة بذلك ، فتطلع عليه شمس المعرفة به حتى لا يخالطه وهم ، ولا يخطر بساحته خاطر سوء ، ثم يتفكر فى عجائب ملكوت السموات والأرض ، وما اشتملتا عليه من ضروب المصنوعات ، وعجائب المخلوقات ، فيتحقق بوجود الصانع القادر على كل شيء ، هذا إن لم يجد شيخا يخرجه من سجن الدليل ، وإن وجده استغنى عن هذا بإشراق شمس العرفان ، والخروج إلى فضاء الشهود والعيان.
ثم ذكر أمر الساعة ، التي خوّفهم بها بقوله : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) ، فقال :
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (١٨٧))
قلت : إنما سميت القيامة ساعة : لسرعة حسابها ، أو وقوعها ، لقوله : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ).
__________________
(١) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وابو جعفر (نذرهم) بنون العظمة ورفع الراء على الاستئناف ، وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء على الغيبة ورفع الراء ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء وجزم الراء عطفا على محل قوله تعالى (فَلا هادِيَ لَهُ) راجع الإتحاف (٢ / ٧٠).