تنبيه : وقع اختلاف كثير فى اللفظ بين هذا الموضع من هذه السورة وبين سورة البقرة ، فى (فَانْفَجَرَتْ) و (فَانْبَجَسَتْ) ، وقوله : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا) و (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا) ، وقوله هنا : (وَكُلُوا) ، وهناك (فَكُلُوا). فقال الزمخشري : لا بأس باختلاف العبارتين ، إذا لم يكن هناك تناقض. ووجّه بعضهم الفرق بأن ما فى هذه السورة سيق فى محل الغضب والعقاب على عبادة العجل ، وما فى سورة البقرة سيق فى محل الامتنان ، فلذلك عبّر هنا بانبحست ؛ لأنه أقل من انفجرت ، وعبّر هنا بقيل ؛ مبنيا للمجهول ؛ تحقيرا لهم أن يذكر نفسه لهم ، وعبّر هنا بالسكنى ؛ لأنه أشق من الدخول ويستلزمه ، وعبّر هنا بالواو ؛ لأن السكنى تجامع الأكل ، بخلاف الدخول ، فإن الأكل مسبب عنه ، فعبّر بالفاء ، وزاد فى البقرة الواو فى : (سَنَزِيدُ) ، كأنه نعمة أخرى ، بخلاف هذا ، وزاد هنا (مِنْهُمْ) ؛ لتقدم ذكرهم فى قوله : (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) ، وعبّر هنا بالظلم ؛ لأنه أعم من الفسق وغيره. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر اعتداءهم فى السبت وما ترتب عليه ، فقال :
(وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦))
قلت : (إذ يعدون) : بدل من (القرية) ، بدل اشتمال ، أو منصوب بكانت ، أو بحاضرة ، و (إذ تأتيهم) : منصوب بيعدون ، و (سبتهم) : مصدر مضاف للفاعل ، يقال : سبت اليهود سبتا : إذا عظم يوم السبت وقطع شغله فيه ، و (شرعا) : حال ، ومعناه : ظاهرة قريبة منهم ، يقال : شرع منه فلان إذا دنا منه.
يقول الحق جل جلاله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ) أي : اليهود ، سؤال تقرير وتوبيخ على تقديم عصيانهم وعما هو من معلومهم ، الذي لا يعلم إلا بتعليم أو وحي ، وقد تحققوا أنك أمي ، فيكون ذلك معجزة وحجة عليهم ، (عَنِ الْقَرْيَةِ) أي : عن خبرها وما وقع لها ، (الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) قريبة منه ، وهى «إيلة» ، قرية بين مدين والطور ، على شاطىء البحر ، وقيل : مدين ، وقيل : طبرية ، (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) : يتجاوزون حدود الله