ثم ذكر رجوع موسى عليهالسلام من الطور ، فقال :
(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣))
قلت : (بئسما) : «ما» نكرة موصوفة : تمييز ، تفسير للضمير المستكن في (بئس) ، والمخصوص : محذوف ، أي : بئس شيئا خلفتموني خلافتكم هذه ، و «ابن أم» : منادى مضاف ، منصوب بفتحة مقدرة قبل ياء المتكلم ، وأصله : ابن أمي ، فحذفت الياء ، وفتحت الميم تخفيفا.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى) من ميقاته (إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ) على قومه ، (أَسِفاً) أي : حزينا عليهم حيث ضلوا ، (قالَ) لهم ، أو لأخيه ومن معه من المؤمنين : (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي) أي : من بعد انطلاقى إلى المناجاة ، (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) أي : أسابقتم قضاء ربكم ووعده ، واستعجلتم إتيانى قبل الوقت الذي قدّر فيه ، أو أعجلتم عقوبة ربكم وإهلاكه لكم حيث عبدتم غيره.
(وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) ؛ طرحها من شدة الغضب حمية للدين ، روى أن التوراة كانت سبعة أسفار فى سبعة ألواح ، فلما ألقاها انكسرت ، فرفع ستة أسباعها ، وكان فيها تفصيل كل شىء ، وبقي سبع كان فيه المواعظ والأحكام ، (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) : بشعر رأسه (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) ؛ توهما فى أنه قصّر فى زجرهم ، وهارون كان أكبر منه بثلاث سنين ، وكان حمولا ليّنا ، ولذلك كان أحبّ إلى بنى إسرائيل ، ولما رأى هارون ما يفعل به أخوه (قالَ ابْنَ أُمَ) ، ذكر الأم ليرققه ، وكان شقيقا له ، (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) حين أنكرت عليهم ، فقد بذلت جهدى فى كفهم ، وقهرونى حتى قاربوا قتلى ، فلم أقصّر ، (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) ؛ فلا تفعل بي ما يشمتون بي ، أي : يستشفون بي لأجله ، (وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) معدودا فى عدادهم بالمؤاخذة ، أو نسبة التقصير.
(قالَ) موسى : (رَبِّ اغْفِرْ لِي) ما صنعت بأخى ، (وَلِأَخِي) ؛ إن فرّط فى كفّهم ، (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) بمزيد الإنعام علينا ، (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فأنت أرحم منا على أنفسنا.