(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : نفذت ومضت واستقرت ، والكلمة هنا : ما قضى فى الأزل من إنقاذهم من عدوهم ، وقيل : قوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) (١) وكانت حسنى ؛ لما فيها من النصر والعز ، (بِما صَبَرُوا) أي : بسبب صبرهم على الشدائد (وَدَمَّرْنا) أي : خربنا (ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) من القصور والعمارات ، (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) من البنيان المرتفع كصرح هامان ، أو ما كانوا يرفعون من الكروم في البساتين على العرشان ، فالأول من العرش ، والثاني من العريش.
الإشارة : قد جرت عادة الله فى خلقه أن يظهر الخواص من عباده ، فينكروا أو يستضعفوا ، حتى إذا طهّروا من البقايا وتمكنوا من شهود الحق ، منّ الله عليهم بالعز والنصر والتمكين ، فمنهم من يمكن من التصرف في الحس والمعنى ، ويقره الوجود بأسره ، ومنهم من يمكّن من التصرف فى الكون بهمته ، ولكنه تحت أستار الخمول ، لا يعرفه إلا من اصطفاه لحضرته ، وهذا من شهداء الملكوت ، ضنّ به الحق تعالى فلم يظهره لخلقه. والله تعالى أعلم وأحكم.
ثم ذكر نجاة موسى عليهالسلام وقومه من فرعون ، وخروجهم إلى الشام ، فقال :
(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩) قالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠) وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١))
يقول الحق جل جلاله : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي : قطعنا بهم (الْبَحْرَ) ، روى أنهم عبروه يوم عاشوراء ، بعد مهلك فرعون ، فصاموه شكرا ، (فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ) أي : مروا على قوم من العمالقة ، وقيل : من لخم ، (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ) أي : يقيمون على عبادتها ، قيل : كانت تماثيل البقر ، وذلك أول شأن عبادة العجل ،
__________________
(١) من الآية ٥ من سورة القصص.