عندك يكشف عنا ونحن نؤمن بك ، فدعا الله فكشف عنهم ، ونبت لهم من الكلأ والزرع والثمار ما لم يعهد مثله ، ولم يؤمنوا ، فبعث الله عليهم الجراد فأكلت زرعهم وثمارهم ، ثم أخذت تأكل الأبواب والسقوف والثياب ، ففزعوا إليه ثانيا ، فدعا ، وخرج إلي الصحراء ، وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب ، فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها ، فلم يؤمنوا ، فسلط عليهم القمل وأكل ما أبقاه الجراد ، فكان يقع في أطعمتهم ويدخل في ثيابهم وجلودهم فيمصها ، ففزعوا إليه فرفع عنهم ، فقالوا : قدتحققنا الآن أنك ساحر ، ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا ينكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه ، وكانت تملأ مضاجعهم ، وتثب إلى قدورهم وهى تغلي وأفواههم عند التكلم ، ففزعوا وتضرعوا ، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ، ثم نقضوا العهد ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياههم دما ، حتى يجتمع القبطي مع الإسرائيلي على الماء ، فيكون ما يلي القبطي دما ، وما يلي الإسرائيلي ماء ، ويمص الماء من فم الإسرائيلي فيصير دما فى فيه ، وقيل : سلط عليهم الرعاف. ه.
(آياتٍ) أي : حال كون ما تقدم آيات (مُفَصَّلاتٍ) ، مبينات ، لا تشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته. قيل : كان بين كل واحدة منها شهر ، وامتداد كل واحدة أسبوعا ، وقيل : إن موسى ثبت فيهم ، بعد ما غلب السحرة ، عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل ، (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الإيمان (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) أي : عادتهم الإجرام.
(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ) يعنى : العذاب المفصل ، أو الطاعون الذي أرسله عليهم بعد ذلك ، (قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) أي : بعهده عندك ، وهو النبوة ، أو بالذي عهده إليك أن تدعوه به فيجيبك كما أجابك فى آياتك. والمعنى : ادع الله متوسلا إليه بما عهد عندك من النبوة والجاه ، أو بدعائك إليه ووسائلك ، (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ) : العذاب (لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) أي : أقسمنا بعهد الله لئن كشفت عنا الرجز لنؤمن لك (وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ) كما طلبت ، قال تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ) إلى حد من الزمان هم بالغوه ثم يهلكون ، وهو وقت الغرق أو الموت ، وقيل : إلى أجل عينوه لإيمانهم ، (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) ؛ جواب «لمّا» ، أي : فلما كشفنا عنهم جاءوا بالنكث من غير تأمل ولا توقف ، (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) أي : فأردنا الانتقام منهم ، (فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ) أي : البحر الذي لا يدرك قعره أو لجته ، (بِأَنَّهُمْ) أي : بسبب أنهم (كَذَّبُوا بِآياتِنا) التي أرسلناها عليهم. (وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) أي : أغرقناهم بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم فكرهم فيها حتى صاروا كالغافلين عنها.
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ) بالاستبعاد وذبح الأبناء (مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) يعنى : أرض الشام ، ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة ، وتمكنوا من نواحيها (الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالخصب وسعة العيش ، وهى أرض الشام. وزاد ابن جزي : ومصر.