(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ) ، فألقاها ، فصارت ثعبانا عظيما ، على قدر الجبل ، وقيل : إنه طال حتى جاوز النيل ، (فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) أي : تبتلع (ما يَأْفِكُونَ) ما يزوّرونه من إفكهم وكذبهم. روى أنها لما ابتلعت حبالهم وعصيهم ، وكانت ملأت الوادي ، فابتلعتها بأسرها ، أقبلت على الحاضرين ، فهربوا وازدحموا حتى هلك منهم جمع عظيم ، ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت ، فقال السحرة : لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا.
(فَوَقَعَ الْحَقُ) أي : ثبت بظهور أمره ، (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) أي : صاروا أذلاء مبهوتين ، أو انقلبوا إلى المدينة مقهورين.
ولما رأى السحرة ذلك علموا أنه ليس من طوق البشر ، وليس هو من السحر ، فتحققوا أنه من عند الله ، فآمنوا ، كما أشار إليه بقوله :
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤) قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥) وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ) على وجوههم (ساجِدِينَ) لما عرفوا الحق وتحققوا به ، فآمنوا ؛ لأن الحق بهرهم ، واضطرهم إلى السجود بحيث لم يتمالكوا ، أو ألهمهم الله ذلك وحملهم عليه ، حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى ، وينقلب الأمر عليه.
(قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) أبدلوا الثاني من الأول ؛ لئلا يتوهم أنهم أرادوا به فرعون. (قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ) أي : بالله أو بموسى ، (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ، إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ) أي : إن هذه لحيلة صنعتموها أنتم وموسى (فِي الْمَدِينَةِ) ؛ فى مصر ، ودبرتموها قبل أن تخرجوا للميعاد ؛ (لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها) أي : القبط ، وتخلص لكم ولبنى إسرائيل ، (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة ما صنعتم.