من بعدهم ، لأنهم خدامها وعمارها. قال فرعون : (فَما ذا تَأْمُرُونَ) أي : تشيرون علىّ أن أفعل؟ (قالُوا أَرْجِهْ) أي : أخّره (وَأَخاهُ) أي : أخّرهما حتى تنظر فى أمرهما ، وقيل : أمروه بسجنهما ، (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ) أي : مدائن عمالتك (حاشِرِينَ) يحشرون لك السحرة ، (يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ).
ثم ذكر مجيئهم ، وما كان من أمرهم مع موسى عليهالسلام ، فقال :
(وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩))
قلت : من قرأ : (أئن) بهمزتين ، فهو اسم استفهام ، ومن قرأ بهمزة واحدة ، فيحتمل أن يكون خبرا ، كأنهم قالوا : لا بد لنا من أجر ، أو استفهاما حذفت منه الهمزة ، والتنكير للتعظيم ، واستأنف الجملة ، كأنها جواب عن سائل قال : فماذا قالوا إذ جاءوا؟ قالوا : إن لنا لأجرا ... إلخ ، و (إنكم) : عطف على ما سدّ مسده نعم ، من تمام الجواب ، كأنه قال : نعم نعطيكم الأجر ونقربكم.
يقول الحق جل جلاله : (وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ) بعد ما أرسل الشرطة فى طلبهم ، (قالُوا) لما وصلوا إليه : (إِنَ) أئن (لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) لموسى؟ (قالَ نَعَمْ) إن لكم أجرا (وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) إلىّ. فأنعم لهم بالأجر ، وزادهم التقريب منه والجاه عنده ؛ تحريضا لهم. واختلف فى عدد السحرة اختلافا متباينا ، من سبعين رجلا إلى سبعين ألفا ، وكل ذلك لا أصل له فى صحة النقل.
ولمّا خرجوا إلى الصحراء لمقابلته (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) ؛ خيّروا موسى مراعاة للأدب ، وإظهارا للجلادة ، ولكن كانت رغبتهم فى أن يلقوا قبله ، ولذلك عبّروا عن إلقاء موسى بالفعل وعن إلقائهم بالجملة الاسمية ، وفيه إشارة إلى أنهم أهل الإلقاء المتمكنون فيه. ولذلك أسعفهم ، (قالَ أَلْقُوا) أسعفهم كرما ومسامحة وازدراء بهم ، (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ) ، بأن خيلوا إليها خلاف ما فى حقيقة الأمر ، (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) أي : خوفوهم بما أظهروا لهم من أعمال السحر ، (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) فى فنّه. روى أنهم ألقوا حبالا غلاظا ، وخشبا طوالا ، كأنها حيات ، ملأت الوادي ، وركب بعضها بعضا.