إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :639

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

240/639
*

الألوهية ، كقول نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا مقلّب القلوب ثبت قلبى على دينك» (١). (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) أي : أحاط علمه بكل شىء مما كان وما يكون منا ومنكم ، (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) فى أن يثبتنا على الإيمان ، ويخلصنا من الإشراك. (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا) أي : احكم بيننا (وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) بالعدل ، بتمييز المحق من المبطل ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) أي : الفاصلين.

(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً) وتركتم دينكم (إِنَّكُمْ إِذاً) أي : إذا اتبعتموه (لَخاسِرُونَ) ؛ لاستبدالكم ضلالته بهداكم ، أو لفوات ما يحصل لكم من البخس والتطفيف. (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي : الزلزلة. وفى سورة الحجر. (الصَّيْحَةُ) ، ولعلها كانت من مبادئها ، (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) أي : فى مدينتهم (جاثِمِينَ) : باركين ميتين.

(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا) أي : استؤصلوا كأنهم لم يقيموا فيها ساعة. (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) دينا ودنيا ، بخلاف الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا ؛ فإنهم الرابحون ، ولأجل التنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول ، واستأنف الجملتين وأتى بهما اسميتين.

(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) ، قاله بعد هلاكهم ، تأسفا عليهم ، ثم أنكر على نفسه فقال : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) ليسوا أهلا للحزن عليهم ، لاستحقاقهم ما نزل بهم.

الإشارة : يؤخذ من قوله : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) أن إقامة الشرائع ، وظهور الدين من علامة إصلاح الأرض وبهجتها ، وخصبها وعافيتها ، وترك الشرائع وظهور المعاصي من علامة فساد الأرض وخرابها. ويؤخذ من قوله : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ ...) الآية ، أن حض الناس على الإيمان ودلالتهم على الله من أفضل القربات عند الله ، وأعظم الوسائل إلى الله.

ويؤخذ من قوله : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أن الإنسان لا يقف مع ظاهر الوعد والوعيد ، ولعل الله تعالى علّق ذلك الوعد أو الوعيد بشروط وأسباب أخفاها ، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره ، ولا يكون مع غير الله قراره. وفى بعض الآثار القدسية : «يا عبدى لا تأمن مكرى وإن أمّنتك ، فعلمى لا يحيط به محيط». والله تعالى أعلم.

__________________

(١) أخرجه مطولا أحمد فى المسند (٦ / ٩١) عن السيدة عائشة رضى الله عنها والترمذي فى (القدر ـ باب ما جاء أن القلوب بين أصبعى الرحمن) من حديث أنس رضى الله عنه. وفى (الدعوات ، باب ٩٠) من حديث أم سلمة رضى الله عنها.