نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩) وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣))
يقول الحق جل جلاله : (وَ) أرسلنا (إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) ، ومدين : قبيلة من أولاد مدين بن إبراهيم ، شعيب بن ميكائل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل ، على ما قيل. وقد تقدم فى البقرة أن مدين ومدان من ولد ابراهيم عليهالسلام ، وشعيب هذا يسمى خطيب الأنبياء ؛ لحسن مراجعته قومه.
(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ، قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) يريد المعجزة التي كانت له ، وليس فى القرآن بيان ما هى معجزته. وحمل الواحدي البينة على الموعظة. وقال فى الكشاف : ومن معجزات شعيب : ما روى من محاربة عصا موسى التنين ، حين دفع إليه غنمه ، وولادة الغنم الدرع خاصة ، حين وعده أن يكون له الدرع من أولادها ، ووقوع عصا آدم فى يده فى المرات السبع ، وغير ذلك من الآيات. ه. وفيه نظر ؛ لأن هذ وقعت بعد مقالته لقومه ، وإنما كانت إرهاصات لموسى عليهالسلام ، وفى حديث البخاري : «ما بعث الله نبيّا إلّا وآتاه ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا ، وأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (١). وهو صريح فى أنه لا بد من الآية لكل رسول ، ولعل الله تعالى لم يذكر معجزة شعيب وهود فى القرآن مع وجودها ؛ لظاهر الحديث.
ثم قال لهم : (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ) ، وكانوا مطففين ، أي : فأوفوا المكيال الذي هو آلة الكيل ، أي : كبروها ؛ بدليل قوله : (وَالْمِيزانَ) الذي هو الآلة ، ويحتمل أن يريد بهما المصدر ، أي : الكيل والوزن.
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي : لا تنقصوهم حقوقهم ، وإنما قال : (أَشْياءَهُمْ) ، للتعميم تنبيها على أنهم كانوا يبخسون الجليل والحقير ، والقليل والكثير ، وقيل : كانوا مكّاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه. (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالكفر والظلم ، (بَعْدَ إِصْلاحِها) بإقامة الشرائع وظهور العدل ، (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : ذلك الذي أمرتكم به ونهيتكم عنه هو خير لكم من إبقائكم على ما أنتم عليه ، ومعنى الخيرية : الزيادة مطلقا ؛ إذ لا خير فيما هم فيه ، أو : فى الإنسانية وحسن الأحدوثة وجمع المال. قاله البيضاوي.
__________________
(١) أخرجه بنحوه البخاري فى (فضائل القرآن ، باب كيف نزل الوحى) من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.