(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ؛ معجزة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتى ، وهى : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً) ؛ لأنها جاءت من عند الله بلا وسائط وأسباب ، على ما سيأتى ، (فَذَرُوها) أي : اتركوها ، (تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ) العشب ، (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) ، نهى عن المس ، الذي هو مقدمة الإصابة بالسوء الجامع لأنواع الأذى ؛ مبالغة فى الأمر وإزاحة للعذر. قاله البيضاوي. (فَيَأْخُذَكُمْ) إن مستموها بسوء (عَذابٌ أَلِيمٌ) ، وهو الهلاك بالصيحة.
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ) أي : هيأ لكم القرار (فِي الْأَرْضِ) أي : أرض الحجاز ، (تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً) أي : تبنون مما انبسط منها قصورا ، فالسهل ضد الجبل ، (وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً) أي : تنجرون بيوتا من الجبال ، وكانوا يسكنون القصور فى الصيف والجبال فى الشتاء. (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) بالمعاصي والكفر.
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) عن الإيمان ، (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) أي : للذين استضعفوهم واستذلوهم ـ أعنى لمن آمن منهم ـ : (أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ)؟ ، قالوه على وجه الاستهزاء ، (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) ، لم يقولوا فى الجواب : نعم ؛ تنبيها على أن إرساله أظهر من أن يشك فيه عاقل أو يخفى على ذى رأى ، وإنما الكلام فيمن آمن ومن كفر ؛ فلذلك قال : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) ؛ على المقابلة ، ووضعوا (آمَنْتُمْ بِهِ) موضع (أُرْسِلَ بِهِ) ؛ ردا لما جعلوه معلوما مسلما.
(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ) ؛ نحروها ، أسند إلى جميعهم فعل بعضهم كما يأتى ؛ لأنه كان برضاهم ، (وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي : استكبروا عن امتثال أمره ، وهو ما بلغهم صالح بقوله : (فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) ، (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي : صيحة جبريل ، (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ؛ باركين على ركبهم ، ميتين.
روى : أنهم بعد عاد عمروا بلادهم وخلفوهم ، وكثروا ، وعمروا أعمارا طوالا لا تفى بها الأبنية ، فنحتوا البيوت من الجبال ، وكانوا فى خصب وسعة ، فعتوا وأفسدوا فى الأرض ، وعبدوا الأصنام ، فبعث الله إليهم صالحا من أشرافهم ، فأنذرهم ، فسألوه آية ، فقال لهم : أىّ آية تريدون؟ فقالوا : اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو آلهتنا ، فمن استجيب له اتبع ، فخرج معهم ، فدعوا أصنامهم فلم تجبهم ، ثم أشار سيدهم «جندع بن عمرو» إلى صخرة منفردة يقال لها : «الكاثبة» ، قال له : أخرج من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء ، فإن فعلت صدقناك ، فأخذ