الإشارة : ما عاب الله على المشركين إلا الشرك والتحكم على الله ، فالواجب على من أراد السلامة أن يوحد ربه ، وينفرد بكلّيته إليه ، ويخلص أعماله لله ، ويصرف أمواله فى مرضاة الله ، ويقف فى أموره كلها عند ما حدد له الله ، وبيّنه رسول الله ؛ يكون من أولياء الله. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر جهالة أخرى لهم ، فقال :
(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (١٣٩))
قلت : (خالِصَةٌ) : خبر ل (ما) ، وأنثه ؛ حملا على المعنى ، لأن (ما) واقعة على الأجنة ، وذكّر (محرم) ؛ حملا على لفظ «ما» ، ويحتمل أن تكون التاء للمبالغة ، ومن قرأ : (تكن) ؛ بالتأنيث ، فالمراد : الأجنة ، ومن قرأ بالتذكير فراعى لفظ «ما».
يقول الحق جل جلاله : (وَقالُوا ما) استقر (فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ) ، يعنى : البحائر والسوائب ، من الأجنة ، (خالِصَةٌ لِذُكُورِنا) لا يشاركون فيه ، (وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا) أي : نسائنا ، يعنى : أن ما يولد للبحائر والسوائب ، قالوا هو حلال لذكورهم دون نسائهم ، هذا إن ولد حيا ، (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) ؛ بأن ولد ميتا (فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) ؛ فالذكور والإناث سواء ، (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي : سيجزيهم على ما وصفوا وافتروا على الله من الكذب فى التحليل والتحريم ، فهو كقوله : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) (١) ، (إِنَّهُ حَكِيمٌ) فى صنعه ، (عَلِيمٌ) بخلقه ؛ فيجزى كلا على قدر جرمه.
الإشارة : اعلم أن جيفة الدنيا اشترك النساء مع الرجال فيها ، لقوله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) ، والزهد فى النساء قليل بالنسبة إلى الرجال ، واعلم أيضا أن الحق تعالى يجازى عبده جزاء موافقا لوصفه ، فإن كان وصفه التعظيم لكل شىء عظمه الله ، ومن كان وصفه التصغير صغره الله ، ومن كان وصفه الإحسان أحسن الله إليه ، ومن كان وصفه الإساءة أساء الله إليه ، ومن كان وصفه الفرق فرقه الله ، ومن كان وصفه الجمع جمعه الله ، وهكذا : كما تدين تدان ، كما تقابل الأشياء تقابلك ، قال تعالى : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ).
ثم شنّع عليهم قتل الأولاد ، فقال :
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٤٠))
قلت : (سفها) : حال أو مصدر ، وكذلك : (افتراء).
__________________
(١) من الآية ٦٢ من سورة النحل.