يقول الحق جل جلاله : (قُلْ) لهم يا محمد (أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ) أي : نعبد (ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) من الأصنام الجامدة ، (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) أي : نرجع إلى الشرك (بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ) وأنقذنا ، ورزقنا الإسلام ، وهذا على الصحابة. وأما النبي صلىاللهعليهوسلم فلم يتقدم له شرك ؛ لعصمته ، أي : كيف نرد على أعقابنا ردا (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ) ، أي : أضلته مردة الجن عن الطريق المستقيم ، فذهب (فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ) ؛ متحيرا ضالا عن الطريق ، (لَهُ أَصْحابٌ) أي : رفقة (يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) أي : إلى الطريق المستقيم ، يقولون له : (ائْتِنا) وكن معنا لئلا تتلف. وهو مثال لمن ترك الإسلام وضل عنه.
(قُلْ) لهم : (إِنَّ هُدَى اللهِ) ، وهو الإسلام ، (هُوَ الْهُدى) وحده ، وما عداه ضلال. (وَ) قد (أُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) نكون على الجادة من الهدى ، (وَ) أمرنا (أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) أي : أمرنا بإقامة الصلاة والتقوى ، روى أن عبد الرحمن بن أبى بكر دعا أباه إلى عبادة الأوثان ، فنزلت ، وعلى هذا أمر الرسول بهذا القول ؛ إجابة عن الصديق تعظيما لشأنه ، وإظهارا للاتحاد الذي كان بينهما. قاله البيضاوي. وقال ابن جزى : ويبطل هذا قول عائشة : ما نزل فى آل أبى بكر شىء من القرآن إلا برائتى. ه. قلت : ليس بحجة ؛ لصغر سنّها وقت نزول الآية بمكة ، والإسلام يمحو ما قبله. ثم قال جل جلاله : (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يوم القيامة ؛ فيظهر من تبع الحق من الباطل.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) ، أي : قائما بالحق والحكمة ، فهو أحق بالعبادة وحده ، (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) أي : قوله العدل حاصل يوم يقول للبعث والحشر : كن فيكون ، (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) أي : انفرد الملك له يوم ينفخ فى الصور فيقول : لمن الملك اليوم؟ فلا يجاب ، فيقول : لله الواحد القهار ، (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي : هو عالم بما غاب وما ظهر ، (وَهُوَ الْحَكِيمُ) فى صنعه ، (الْخَبِيرُ) بأمر عباده.
الإشارة : إذا توجه العبد إلى مولاه ، وانقطع بكليته إلى الله ، طالبا منه معرفته ورضاه ، قد يمتحن بشىء من شدائد الزمان ؛ كالفاقة وإيذاء الخلق والأحزان ، فيقال اختبارا له : تعلق فى دفع ما نزل بك بشىء من السّوى ، فيجب عليه أن يقول : (أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) بالالتفات إلى غير ربنا ، بعد إذ هدانا الله إلى توحيده ومعرفته ، ونكون كالذى استهوته الشياطين فى الأرض ، حيران بالتفاته إلى غير الكريم المنان ، (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ) أي : هدايته الخاصة ، وهى الانقطاع إليه وحده فى الشدائد ، (هُوَ الْهُدى) ، وقد أمرنا بالانقياد بكليتنا إلى ربنا ، وأمرنا إذا حزبنا شىء بإقامة الصلاة ؛ لأنها مفتاح الفرج ، وبالتقوى ؛ لأنها سبب النصر ؛ (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) ، وآخر أمرنا الموت والحشر إلى ربنا ، والاستراحة إلى الروح والريحان. وبالله التوفيق.