إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

المؤلف :أحمد بن محمد بن عجيبة

الموضوع :القرآن وعلومه

الصفحات :639

تحمیل

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [ ج ٢ ]

133/639
*

فإن قلت : العارف لم تبق له نفس يتهما ؛ لفنائه فى شهوده وانطوائه فى وجوده؟ قلت : العارف الكامل هو الذي لا يحجبه جمعه عن فرقه ، ولا فرقه عن جمعه ، فإذا رجع إلى شهود فرقه ، رأى نفسه عبدا متصفا بنقائص العبودية التي لا نهاية لها ، ولذلك قالوا : للنفس من النقائص ما لله من الكمالات. فلو تطهرت كل التطهير لم يقبل منها ، وإذا نظر إلى نعت جمعه رأى نفسه مجموعا فى الحضرة ، متصفا بالكمالات التي لا نهاية لها ، فيغيب عن شهود عبوديته فى عظمة ربوبيته ، لكنه لا يحجب بجمعه عن فرقه ؛ لكماله ، وإلى هذا المعنى أشار فى الحكم بقوله : «لا نهاية لمذامك إن أرجعك إليك ، ولا تفرغ مدائحك إن أظهر جوده عليك». وبالله التوفيق.

ثم أمر نبيه ـ عليه الصلاة والسلام بالتبرؤ من الشرك مطلقا ، تشريعا ، فقال :

(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (٧٣))

قلت : (ونردّ) : عطف على (ندعو) والهمزة للإنكار ، والرد على العقب : الرجوع إلى وراء ، لعلّة فى المشي ، واستعير للمعانى ، و (كالذى استهوته) : الكاف فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (نردّ) أي : كيف نرجع مشبهين بمن استهوته الشياطين ، أو نعت لمصدر محذوف ، أي : ردا كرد الذي ... إلخ. واستهوى : استفعل ، من هوى فى الأرض إذا ذهب ، وقال الفارسي : استهوى بمعنى أهوى ، مثل استزل بمعنى أزل ، و (حيران) : حال من مفعول استهوى.

و «أن أقيموا» : عطف على «لنسلم» ، أو «أمرنا». «قوله الحق» : مبتدأ ، و «يوم يقول» : خبر مقدم ، أي : قوله الحق حاصل يوم يقول : كن فيكون ، وفاعل «يكون» : ضمير فاعل كن ، أي : حين يقول للشىء : كن فيكون ذلك الشيء ، و «يوم ينفخ» : ظرف لقوله : «الملك» ، كقوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) (١).

__________________

(١) من الآية ١٦ من سورة غافر.