وبينهما مدينة البيلقان ، ويمرّان جميعا فيصبّان في بحر جرجان. والرسّ واد عجيب ، وفيه أنواع من السمك ، وفيه يكون الشورماهي ولا يكون إلّا في هذا الوادي ، ويجيء في كلّ سنة في وقت معلوم ، كمثل أصناف حيتان البحر وقواطع السمك ، فإنها تجيء في أوقات معلومة كالاستور ، والجراف ، والبرستوج ، فإن هذه الأنواع تأتي البصرة من أقاصي البحار تستعذب الماء في ذلك الإبّان ، ألا إنّ البرستوج يقبل إليهم من الزنج يستعذب الماء من دجلة البصرة ، يعرف ذلك جميع البحريّة ، وهم يزعمون أن الذي بين البصرة وعمان أبعد ما بين البصرة والزنج ، وإنما غلط الناس فزعموا أن الصين أبعد لأن بحر الزنج حفيرة واحدة عميقة واسعة ، وأمواجه عظام ، ولذلك البحر ريح تهبّ قويّة ، ومن عمان إلى جهة الزنج شهران ، فلمّا كان البحر عميقا والريح قويّة والأمواج عظيمة والخيرات ببلاد الزنج قليلة ، وكان الشراع لا تحطّ وكان سيرهم مع الوتر ، ولم يكن مع القوس ولا يعرفون الكنب والمكا ، صارت الأيّام التي تسير فيها قسمة الزنج أقرب ، فالبرستوج يقطع أمواج البحر ، ويسبح من الزنج إلى البصرة ، ثم يعود ما فضل عن صيد الناس إلى بلاده ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، وإنما عرف الشورماهي في هذا النهر من بين السمك لطيبه ولذّته وكثرة دسمه ورطوبة لحمه.
قالوا : ولنا المنّ الكثير وهو الترنجبين ، ولنا القرمز الذي ليس يشركنا فيه أحد ، وهي دودة حمراء تظهر أيّام الربيع ، فتلتقط ثم تطبخ ويصبغ بها الصوف ، والأشق دابّة تكون بأرمينية شبه السنّور ، ليّنة المفاصل وبرة الجلد ، ويبلغ الثور جملة وأنيابها جيّدة للمحبّة ، تؤخذ أنيابها ومخاليبها فتجفّف وتسقيه من تحبّ فإنه يحبّك حبّا شديدا. ولنا الفوّة الكثيرة ، وبها معدن الزيبق والقلقند والقلقطار والأسربّ ، ولهم الثيران الأرمينيّة ، والشاة بلّوط ، والخلنج الكثير ، ويتّخذون منه عجائب ، وتقطع هذه من غيضة ملتفّة بناحية برذعة ، كثيرة الشجر والنبات تتّصل بالخزر وتمرّ إلى ناحية خوارزم تسمّى غيضة الرحمن.
وتقرير أرمينية ألفا ألف وثلاثة وثلاثون ألفا وتسع مائة وخمسة وثمانون درهما.