عن سلاحكم فلم يكن الله جلّ وعزّ ليلهمني الشخوص عن وطني اثني عشر حولا حتى أسدّ ثغرا يكون مرفقا لعباده وراحة لأهل إقليمه ، ثم يسلّط عليّ بهيمة من بهائم البحر ، فتنحّى الأساورة وأقبل الطالع نحو الفند حتى علاه ثم قال : أيّها الملك أنا ساكن من سكّان هذا البحر ، وقد رأيت هذا الثغر مسدودا سبع مرّات ، وخرابا سبع مرّات ، وأوحى الله جلّ وعزّ إلينا معاشر سكّان البحر أن ملكا عصره عصرك وصورته صورتك يبعثه الله لسدّ هذا الثغر ، فيسدّه إلى الأبد ، وأنت ذلك الملك ، فأحسن الله مثوبتك ، وعلى البرّ معونتك ، وأطال مدّتك ، وسكّن يوم الفزع الأكبر روعتك ، ثم غاص في البحر. وكذلك بنى مدينة شروان ، فأما بلنجر داخل أرض الخزر فبناها بلنجر بن يافث.
ولمّا فرغ أنوشروان من الفند الذي في البحر سأل عن ذلك البحر فقيل : أيّها الملك هذا البحر يسمّى بكردبيل ، وهو ثلاثمائة فرسخ في مثله ، وبيننا وبين بيضاء الخزر مسيرة أربعة أشهر على هذا الساحل ، ومن بيضاء الخزر إلى السدّ الذي سدّه إسفنديار بالحديد مسيرة شهرين ، قال أنوشروان : لا بدّ من الوقوف عليه ، قالوا : فليس إليه طريق يسلك ، وفيه موضع يقال له دهان شير ، وفيه دردور (١) لا يطمع فيه ، ولا في سلوكه ، ولا تنجو سفينة منه ، فقال : لا بدّ من ركوبه والإشراف على هذا الدردور والنظر إلى هذا السدّ ، فقالوا : أيّها الملك اتّق الله في نفسك ومن معك ، فأبى وقال : إن الذي نجّاني من الخارج علينا من البحر لقادر أن ينجّينا من دردوره ، فهيّئت له سفن وركب معه عدّة من الزهّاد والعبّاد ، ولجّجوا في البحر أيّاما ، حتى إذا وافوا موضع الدردور بقوا متحيّرين لا يرون علما يجعلوه منارا لهم ، ولا جبلا يقيموه إمارة لمنصرفهم ، فرجعوا على الملك باللوم ، فقال أنوشروان : أخلصوا لله نيّاتكم واضرعوا إليه وابتهلوا إلى الله عزّ وجلّ ، ونذر أنوشروان لئن نجّاه الله ليصدّقنّ خراج سبع سنين في أهل الفاقة من مملكته ، فبينما هم كذلك إذ رفعت لهم جزيرة تعلوه الأمواج وفوق الجزيرة تمثال أسد في عظم
__________________
(١) الدّردور : موضع في وسط البحر يجيش ماؤه لا تكاد تسلم منه السفينة. وقال الجوهري : الدردور : الماء الذي يدور ، ويخاف منه الغرق. لسان العرب (درر).