ثم سار حتى وافى الأنبار وذلك في سنة ثلاث عشرة (١).
قال (٢) : وخرج المنصور منحدرا إلى جرجرايا ليرتاد منزلا. ثم صار إلى بغداد ومنها إلى الموصل. ثم عاد إلى موضع بغداد. فقال : هذا موضع معسكر جيد. هذه دجلة يأتينا كل ما في البحر منها ، وتأتينا أيضا فيها الميرة من الجزيرة وأرمينية وما والاها. وهذا الفرات يحمل فيه متاع الشام والرقة وذلك البلد. فنزل وضرب عسكره على الصراة واختطّ المدينة ووكّل بكل ربع قائدا.
وقال سليمان بن مجالد (٣) : أفسد أهل الكوفة جند المنصور فخرج نحو الجبل يرتاد منزلا ـ وطريق الناس يومئذ على المدائن ـ فخرجنا على ساباط. فتخلّف بعض أصحابنا لرمد أصابه. فأقام يعالج عينيه. فسأله الطبيب أين يريد أمير المؤمنين قال : يرتاد منزلا. قال : فأنّا نجد في كتاب عندنا أن رجلا يدعى مقلاصا يبنى مدينة بين الصراة ودجلة تدعى الوزراء. فإذا أسسها أتاه فتق من الحجاز فقطع بناءها وأقبل على إصلاح ذلك الفتق فإذا كاد أن يلتئم أتاه فتق آخر من البصرة هو أعظم عليه من الأول [٣٠ أ] فلا يلبث الفتقان أن يلتئما. ثم يعود إلى بناءها فيتمه. فيعمر عمرا طويلا ويبقى الملك في عقبه. قال : فأخبرت المنصور بذلك. فقال : الله أكبر! والله هو. لقد لقبت مقلاصا وأنا صبي لخبر كان لي ثم انقطع ذلك اللقب عني.
وقال ابن عياش (٤) : لما أراد المنصور الانتقال من الهاشمية ، بعث روادا يرتادون له موضعا يبني فيه مدينة ، ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند. فنعت له موضع قريب من بارمّا. وذكر له عنه غذاء وطيب. فخرج إليه بنفسه حتى
__________________
(١) إغارة المثنى هذه على بغداد نقلها الطبري (٣ : ٤٧٣) عن سيف بن عمر التميمي.
(٢) روى الطبري ٧ : ٦١٤ هذه الرواية بدون سند كما فعل ابن الفقيه.
(٣) الرواية في الطبري ٧ : ٦١٥ وقد ولي سليمان هذا للمنصور والمهدي ولايات (ابن الفقيه ٣٨ ب) وهو من القادة العسكريين (مروج ٣ : ٢٩٧ والطبري ٨ : ٩٢).
(٤) هو عبد الله بن عياش المنتوف الهمداني المرهبي الراوي. والرواية من هنا إلى قوله (ابنوا على بركة الله) في الطبري ٧ : ٦١٥.