يومئذ خراب ، فنظر إليها وأطاف بها من جميع جهاتها ، وحرز عدّة من يسكنها فوجدهم مائتي ألف ، فلمّا كان سنة ١٧١ بلغ الرشيد أن الروم قد ائتمروا بينهم للخروج إلى طرسوس لتحصينها وترتيب المقاتلة بها. فأغزى الصائفة هرثمة بن أعين ، وأمر بعمارة طرسوس وبنائها وتمصيرها ، ففعل فأجرى أمرها على يدي فرج بن سليم الخادم ، فبنى قصبتها ومسجدها ، ومسح ما بين النهر إلى النهر ، فبلغ ذلك أربعة آلاف خطّة ، كلّ خطّة عشرون ذراعا في مثلها ، وأقطع أهل طرسوس الخطط في شهر ربيع الآخر سنة ١٧٣ ، ولمّا كانت سنة ١٨٠ أمر الرشيد ببناء مدينة عين زربة وتحصينها (١) ، وحوّل إليها خلقا من الخراسانيّة وأقطعهم المنازل ، وفي سنة ١٨٣ أمر ببناء الهارونيّة ، فبنيت وشحنت بالمقاتلة ، ونسبت إليه ، وأمر الرشيد ببناء مدينة الكنيسة السوداء وتحصينها ، وأمر المنصور صالح بن عليّ ببناء ملطية وكانت خرابا ، وكان الحسن بن قحطبة أتمّها بأمر المنصور وأعان الفعلة بنفسه وماله ، وكان الحسن يقول : من سبق إلى شرفة فله كذا ، فجدّ الناس في العمل حتى فرغوا من بناء ملطية ومسجدها في ستّة أشهر ، وهم يومئذ سبعون ألفا وبني بها للجند الذين أسكنوها ، لكلّ عرّافة بيتان سفليّان وعليّتان ، والعرّافة عشرة نفر إلى خمسة عشر رجلا ، وبنى لهم مسلحة على ثلاثين ميلا منها ، ومسلحة على نهر يدعى قباقب يدفع في الفرات ، وأسكنها أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة ، وزاد كلّ واحد منهم عشرة دنانير ، وأقطع الجند المزارع ، وبنى حصن قلوذية ، وأرض التيه بموضع يقال له حصن منصور أربعون فرسخا.
وقال الحجّاج بن يوسف لزادان فرّوخ : أخبرني عن العرب والأمصار. فقال : أصلح الله الأمير ، أنا بالعجم أبصر مني بالعرب. قال : لتخبرني. قال : فسل عمّا بدا لك. قال : أخبرني عن أهل الكوفة. قال : نزلوا بحضرة أهل السواد فأخذوا من ضيافتهم وسماحتهم. قال : فأهل البصرة. قال : نزلوا بحضرة الخوز. فأخذوا من مكرهم وبخلهم. قال : فأهل الحجاز. قال : نزلوا بحضرة السودان.
__________________
(١) في معجم البلدان ٣ : ٧٦١ (قال ابن الفقيه : كان تجديد زربي وعمارتها على يد أبي سليمان التركي الخادم في حدود سنة ١٩٠ وكان قد ولي الثغور من قبل الرشيد).