وربّما وجد مع غيرهم للدلالة على أمر إلهي ، كقوله تعالى في طالوت : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، (١) وقوله تعالى : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) ، (٢) ولذلك سمّيت معجزة ، وهي من الكلمات الإسلاميّة ، مثل تسمية الصفر الأوّل ب : المحرّم ، وتسمية المعصية ب : الفسق ، ونحو ذلك ، فقيل : آية معجزة ، ثمّ اختصرت وحذفت الآية وقيل : معجزة.
وقد اختلف أرباب النظر في حقيقة المعجزة وغاروا في البحث عنها ، ولا يهمّنا التعرّض لشتات كلماتهم ، والذي يعطيه الاصول البرهانيّة : هي أنّ كلّ حادث ممكن فلوجوده علّة ، وأنّ العلّة القريبة للحادث الطبيعي حادث طبيعي من سنخه ، وأنّ الحوادث الطبيعيّة تنتهي عللها إلى ما وراء الطبيعة ، ولا ضرورة ولا برهان يقضيان بدوران حادث طبيعي مدار السبب الطبيعي العادي المعهود له وجودا وعدما. فهذه المقدّمات تقضي بإمكان صدور حوادث طبيعيّة مادّيّة عن ما وراء الطبيعة غير مستند إلى سببها العادي المعروف ، بل إلى سبب مجهول لنا بحسب العادة.
هذا ، فإن دعت إلى الله ودلّت على أمر إلهي ـ كما في مورد التحدّي ـ سمّيت ب : الآية المعجزة ، وإن دلّت على كرامة صاحبها على الله سمّيت ب : الكرامة ، وإن لم تدع إلى الله ـ كالخوارق الصادرة عن بعض أرباب الرياضات الشيطانيّة ـ فمن مطلق الخوارق ، كالسحر والكهانة.
وجميع الأقسام واقعة غير منكرة إلّا من معاند مكابر ، وناهيك في ذلك وجود القرآن الكريم بأيدينا ، (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ
__________________
(١). البقرة (٢) : ٢٤٨.
(٢). الأنبياء (٢١) : ٩١.