أقول : ويظهر من ضمّ الرواية الثانية إلى الاولى : أنّ في العلم
مرتبة غير محدودة ، وظاهر أنّ عدم التقدير ليس من حيث الكثرة العدديّة في
المعلومات ؛ إذ كلّ عدد يدخل في الوجود ـ فهو محدود ؛ لكونه أقلّ من الزائد عليه
بواحد ، ولو كان كذلك كان الكرسي بعض العرش أو عينه بوجه ، فهو علم غير مقدّر بقدر
؛ من حيث كون المعلوم غير متناه من غير جهة العدد ، بل من حيث كمال الوجود ،
فينطبق على قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ
إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) وسيجيء شرحه إن شاء الله.
والأشياء بحسب
وجوداتها الخارجيّة معلومة له تعالى ؛ أي أنّ أنفسها نفس العلم كما سيجيء في ذيل
قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ
رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) فبين عالم الأجسام ـ وهو عالمنا ـ وبين هذه الموجودات
الغير المتناهية ـ التي هي خزائن الغيب ـ مرتبة من العلم مقدّرة بالأقدار محدودة
بتناهي الوجود ، وهي الكرسي.
وهو المستفاد من
قوله سبحانه : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما
شاءَ) حيث جعل المعلوم ما بين أيديهم وما خلفهم ، وهو أمر غير
مجتمع الوجود في هذه النشأة ، فهناك مقام يجتمع فيه وجود المتفرّقات الزمانيّة ،
وليست وجودات غير متناهية الكمال ، وإلّا لم يصحّ الاستثناء من الإحاطة ، فهو مقام
يمكن لهم أن يحيطوا ببعض ما فيه.
وفي التوحيد عن
حنّان قال : «سألت أبا عبد الله ـ عليهالسلام ـ عن العرش والكرسي ، فقال ـ عليهالسلام ـ : إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كلّ
__________________