(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) والله تعالى يحب أن يكون جميع عباده يتأهلون لاستحقاق هذه الرحمة. لانه لا يجوز أن تنزل الرحمة الا على مستحقها ومن هولها أهل.
ومن ثم لم يستطع أهل المذاهب المصطنعة ان يساووا بين أجر العامل وأجر المهندس. ولا بين الجندي والقائد. وبين الثابت والمنهزم ، والناصح المخلص والغاش المرائي. وأبرز مصداق يأتي لهذا التفاوت في الدول الشيوعية التي يدعي نظامها المساواة. ولكن الواقع يكذب ذلك تماما ففي الوفيات ترى طبقة غارقة في النعيم. والى جنبها طبقة غارقة في الجحيم.
(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) فهكذا ـ لو لا ان يفتتن الناس. والله تعالى أعلم بخلقه. وتأثير عرض الدنيا في قلوبهم وضعف عقائدهم ـ لجعل لمن يكفر بالرحمن ـ صاحب الطغيان ـ انصباب الدنيا من فوقه وتحته حتى يزداد طغيانه وعذابه وشقاؤه في الدنيا قبل الاخرة. لان بلاء أهل الدنيا بقدر ما نالوا منها. ومتاع الدنيا رمز الهوان من الله تعالى لمن نالها. ولانها لا تساوي عند من عرفها ذبابة.
(وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) هنا الفخر والاعتزاز والراحة والاطمئنان. والسعادة والعافية الواقعية لأهل التقوى والورع. والزهد والتجرد عن هذه الجيفة. وعن مشاركة كلا بها الذين يهرّ بعضهم على بعض ويقهر كبيرهم صغيرهم.
فأهل التقوى هم المكرمون عند الله بتقواهم. فهو يدخر لهم ما هو أكرم وأثمن وأبقى.
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ