ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب. لتقف به أمام الدنيا كلها عزيزا كريما ثابتا. في وقفته. غير مزعزع. عارفا طريقه الى العزة المستمدة من قوي لا يغلب وعظيم لا يقهر عز شأنه. فيصبح صاحب العزة الثابتة. لا يحني رأسه لمخلوق مهما كان شكله. ولا تعرض عليه العواصف ولا يداخله فزع ولا رهبة من كل قوى المخلوقين. لأنه يؤمن (بأن العزة لله) دون سواه. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ..) ولهذا التعقيب المباشر بعد ذكر الحقيقة الضخمة. مغزاه الروحي فهو اشارة الى اسباب العزة ووسائلها لمن يطلبها من مصدرها. فان القول الطيب والعمل الصالح هو وحده الذي يمحصه من الخبيث والرياء. وهو الذي يستلمه من القائل والعامل دون سواه. والعزة الصحيحة حقيقة تستقر في القلب قبل أن يكون لها مظهر في دنيا الناس. حقيقة تستقر في القلب لتضيئه وتوسعه. فيستعلي بها على شهواته المذلة. ورغائبه القاهرة ومخاوفه فلا ينحني لغير خالقه العظيم وسيده الغني الكريم. ومتى أستعلى المؤمن المتيقن على هذه الاشياء. فلن يبقى في الوجود أسباب لديه تذله أو تخضعه. فانما تذل الناس شهواتهم واهواؤهم ومطامعهم ومن أستعلى عليها وأصبحت منقادة له. فقد استعلى على كل وضع وعلى كل شيء يسبب الذل والخضوع وهذه هي العزة الحقيقية. ذات القوة والأستعلاء بالمعنى الصحيح. التي لا تتغير كمصدرها الثابت.
ان العزة ليست عنادا جامحا يستكبر على الحق ويتشامخ بالباطل. وليست طغيانا فاجرا سلاحه الارهاب والضرب والعتو والتجبر. وليست أندفاعا باغيا يخضع للنزوة ويذل للشهوة. وليست قوة عمياء. تبطش بلا حق ولا عدل ولا صلاح. كلا. انما هي العزة المستعلية على الاهواء والشهوات. وعلى الظلم والطغيان. وعلى الاحتياج لغير الخالق العظيم