عليها الأنسان اليوم وهي محل جدب جرداء. ثم يمر عليها غدا. وهي ممرعة خضراء من آثار الماء. والقرآن يتخذ موحياته من مألوف البشر المتاح لهم. مما يمرون عليه غافلين. وهو معجز معجب حين تتملاه البصائر والعيون.
ومن مشهد الحياة النابضة في الموات ينتقل نقلة عجيبة الى معنى نفسي ومطلب شعوري ينتقل الى معنى العزة والرفعة والمنعة والاستعلاء ويربط هذا المعنى بالقول الطيب. الذي يصعد الى الله والعمل الصالح الذي يرفعه الله عزوجل.
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ..) ولعل الرابط الذي يصل بين الحياة النامية في الموات. والكلمة الطيبة والعمل الصالح هو الحياة الطيبة. في هذه وفي تلك. وما بينهما من صلة في طبيعة الكون والحياة. وهي الصلة التي سبقت الاشارة اليها في سورة ابراهيم (ع).
فالعزة للمؤمنين من الخالق العظيم مكفولة حينما تستقر القلوب في أستسلامها واخلاصها لخالقها تعالى ان العزة لله كلها. وليس شيء عند أحد منها سواه. فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها ومالكها الذي ليس لها مصدر غيره. والذي يفرحه ان يطلب عبده منه العزة بالاخلاص اليه ليسعد بها. ان الناس الذين كانت قريش تبتغي العزة عندهم بعقيدتها الوثنية السخيفة. وتخشى اتباع الهدى ـ وهي تعترف انه الهدى ـ خشية أن تصاب مكانتها بينهم بأذى. أن الناس كلهم فقراء الى الله واذا كانت لهم قوة فمصدرها الاول هو الله الواحد القهار. واذا كان لبعضهم منعة فواهبها الله العزيز الحكيم.
اذن فمن كان يريد العزة والمنعة فليذهب الى المصدر الاول. لا الى المستمد ما لديه من هذا المصدر. أنها حقيقة أساسية. من حقائق العقيدة الأسلامية. وهي حقيقة كفيلة بتعديل القيم. والموازين. وتعديل الحكم والتقدير. وتعديل النهج والسلوك. وتعديل الوسائل والاسباب.