من التحطيم والدمار : (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا). ويبدو من هذا ان ابراهيم (ع) كان شابا صغير السن حينما استنكر عبادة الاصنام وحطمها (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) فهم لا يزالون يصرون على انها الهة وهي جذاذ مهشمة فبدأ ابراهيم (ع) التهكم عليهم والسخرية بهم. قال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) والتهكم واضح جلي ان هذا التمثال الكبير هو الذي حطمهم (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) ويبدو ان هذا التهكم قد أثر في بدء الامر عليهم وهزهم هزا .. وردهم الى شيء من التفكر (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ).
وكانت بادرة يستبشر بها لعلهم يثبتون عليها. ولكن هيهات الاهواء والمصالح هي التي دعتهم لذلك فهم يعرفون ذلك ولكن مصالح ورياسة الاكابر متوقفة على ذلك وانما المخدوع العوام والاتباع (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ. لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) وحقا لقد كانت الاولى من الاتباع رجعة وإفاقة. ولكن جاءت لعبة الاكابر واصحاب المنافع والرياسة. فاغروا بعضا وهددوا آخرين ولما جابههم ابراهيم بحجته الدامغة أخذتهم العزة بالاثم كما تأخذ الطغاة فيما يتنافى مع أغراضهم : (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ودبت صيحة الدعاة للباطل والشيطان. فيالها من آلهة ينصرها عبادها وهي لا تملك لأنفسها نفعا ولا ضرا. والاكابر على يقين من ذلك.
(قالُوا حَرِّقُوهُ) وقال من بيده أزمة الامور واليه يرجع الامر كله واذا قال للشيء كن فيكون : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) فيالها من كلمة ما أعظمها وأعلاها وأقواها تهزّ الكون وتغير طبائع الاشياء. كلمة واحدة تكون بها أكوان. وتنشأ بها عوالم. وتخلق بها نواميس.