حتى يجيء بصاحبكم فيرجمه ، فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم :
«فإني أحكم بما في التوراة». فأمر بهما فرجما (١).
قال الزهري : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا). وكان النبي صلىاللهعليهوسلم منهم.
قال معمر : أخبرني الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر قال : شهدت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين أمر برجمهما ، فلما رجما رأيته يجنأ بيده عنها ليقيها الحجارة (٢).
الآية : ٤٩ ـ قوله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ).
قال ابن عباس : إن جماعة من اليهود ، منهم : كعب بن أسيد ، وعبد الله بن صوريا ، وشاس بن قيس ، قال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا : يا محمد ، قد عرفت أنّا أحبار اليهود وأشرافهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود ولن يخالفونا ، وإن بيننا وبين قوم خصومة ، ونحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ، ونحن نؤمن بك ونصدقك. فأبى ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله تعالى فيهم : (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (٣).
الآية : ٥١ ـ قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ).
قال القرطبي : هذا يدل على قطع الموالاة شرعا.
قال عطية العوفي : جاء عبادة بن الصامت فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من اليهود كثير عددهم حاضر نصرهم ، وإني أبوء إلى الله ورسوله من ولاية اليهود ، وآوي إلى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبيّ : إني رجل أخاف الدوائر ، ولا أبرأ من ولاية اليهود. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا الحباب ، ما تجلب به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه» فقال : قد قبلت. فأنزل الله تعالى فيهما : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) إلى قوله تعالى : (فَتَرَى الَّذِينَ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ، ج ٢ / ٥٨ ـ ٥٩.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ٦ / ١٧٨.
(٣) زاد المسير ، ج ٢ / ٣٧٤ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ٦ / ٢١٢.