الآيات السابقة من خطاب للمسلمين ، أو لأنها نزلت بعدها.
ومهما يكن من أمر ففي الآية إعلان للمؤمنين بما سوف يقع عليهم من الشدة. ودعوة لهم إلى توطين النفس على الصبر والتحمل. وتنبيه على أن هذا كان من شأن من قبلهم من المؤمنين وأنبيائهم. وبشرى بنصر الله في النهاية. وتقرير بأن هذا النصر لن ينال إلّا بالصبر والتضحية. وفي كل هذا تلقينات وعظات نفسية جليلة مستمرة المدى ، ومنبع لا ينضب يمد النفس المؤمنة بالقوة المعنوية. وقد تكرر هذا في مقامات عديدة ، ومنه ما مرّ في سور سابقة منها آيات سورة العنكبوت [١ ـ ٣].
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا ورد في التاج برواية البخاري وأبي داود عن خبّاب قال : «أتينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو متوسّد بردة في ظلّ الكعبة فشكونا إليه وقلنا ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فجلس محمرّا وجهه فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه. والله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتّى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنّكم تعجلون» (١). والحديث مكي كما يستفاد من مطلعه. وفيه مظهر رائع من قوة إيمان الرسول بما هو عليه من الحق وبنصر الله إياه في عهد مكة برغم ما كان يحدق به وبأصحابه من أخطار ويقاسونه من شدة. وينطوي فيه ما ينطوي في الآية من تنبيه وتطمين ومعالجة روحية ، وفيه بشرى قد تحققت بنصر الله وتمام أمر الله فكان ذلك معجزة نبوية أو مصداقا لنبؤة النبي صلىاللهعليهوسلم الصادقة. والآية التي نحن في صددها مدنية ، والمتبادر أنها نزلت في ظرف مماثل للشعور بالشدة الذي كان المؤمنون يشعرون به في مكة حيث اقتضت ذلك حكمة التنزيل للتطمين والبشرى.
__________________
(١) التاج ج ٤ ص ٥٤.