(فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ). ومنها حديث ورد في الصحيحين عن أبي بكرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ، وكان متكئا فجلس فقال : ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فما زال يكرّرها حتى قلنا ليته سكت» (١).
وبعض الذين نقلوا هذا من المفسرين من قال إن جملة (قَوْلَ الزُّورِ) هي صيغة تلبية المشركين المذكورة آنفا.
ومهما يكن من أمر فإن الإطلاق في عبارة الأمر يجعل عمومية الأمر باجتناب قول الزور وجيهة ، حتى ولو صحّ أن الجملة من الوجهة الزمنية ومقام ورودها قد عنت تلك الصيغة ، ويوجب على المسلم أن يتجنب الزور وقول الزور وشهادة الزور في كل ظرف ومكان لما في ذلك من عظيم البغي والضرر والشرّ ، حتى استحقّ وصف الرسول الأعظم له بأنه من أكبر الكبائر وبأنه يعدل الشرك.
استدلال على ممارسة المسلمين الحجّ
قبل فتح مكة
والمتبادر من الأمر باجتناب الأوثان في هذا المقام أنه يقصد اجتناب الأوثان التي كانت في فناء الكعبة والصفا والمروة ، والتي كان المشركون يقومون بطقوسهم ويقرّبون قرابينهم عندها على ما تواترت فيه الروايات (٢). وإذا صح ذلك فإن الآيات تلهم أنه كان يتسنى لبعض المسلمين أن يمارسوا مناسك الحج ، فاقتضت حكمة التنزيل تنبيههم إلى وجوب اجتناب الأوثان في أثناء ذلك ، وجعل حجّهم خالصا لله مجردا من شوائب الشرك ومظاهره مطلقا. وإذا صحّ احتمال كون الآيات مدنية فمعنى ذلك أن بعض المسلمين كانوا يفدون إلى مكة ويتسنى لهم دخولها في أثناء موسم الحجّ.
__________________
(١) وردت هذه الصيغة في التاج معزوّة إلى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبي داود معا. انظر ج ٣ ص ١١١.
(٢) انظر تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي ج ٥ ص ٧٥ وما بعدها.