مأذون من المالك ، ونحوها من الاصول الموضوعية ، وكيف لا مع أنّه لو بنى على تقديم مثل هذه الاصول على أصالة الصحّة قلّما يبقى لها مورد ، بل لقلّ فائدتها جدّا ، إذ الشكّ في الصحّة إنّما ينشأ من الشكّ في الإخلال بشيء من أجزائه أو شرائطه ، ومقتضى الأصل غالبا عدم ذلك الشيء الذي نشأ الشكّ منه كما لا يخفى.
قوله قدسسره : من أنّ اصالة عدم بلوغ البائع ... الخ (١).
أقول : العبارتين مسامحة ، إذ الحقّ أنّه لا يثبت باصالة عدم البلوغ كون البيع الواقع في الخارج بيعا صادرا من غير البالغ ، ولا باصالة الصحّة كونه صادرا من بالغ ، لما عرفت من أنّه لا يثبت بمثل هذه الاصول شيء من العناوين الملازمة لها ، فكان حقّ العبارة أن يقول إنّ مقتضى اصالة عدم بلوغ البائع بطلان بيعه ، كما أنّ مقتضى استصحاب بقاء حدثه أو طهارته بطلان صلاته أو صحّتها ، ومقتضى قاعدة أصالة الصحّة صحّة البيع وترتّب الأثر المقصود منه عليه فيتعارضان.
ولكنّك خبير بأنّه لو سلّمنا جريان اصالة عدم البلوغ ونظائرها من الاصول الموضوعيّة ، وأغمضنا عن المناقشة الآتية ، وأنّ مرجع اصالة عدم بلوغ البائع إلى اصالة عدم حدوث السّبب الناقل ، التي لا يصلح لمعارضة الدليل الدالّ على وجوب حمل الموجود ، المردّد بين السّبب وغيره ، على أنّه السبب ، لكانت الاصول الموضوعيّة حاكمة على اصالة الصحّة ، إذ الشكّ في صحّة البيع وفساده مسبّب عن الشكّ في بلوغ البائع وعدمه ، فلا يبقى مجال للتشكيك فيه بعد إحراز عدم بلوغ البائع بالأصل ، أو إحراز كون البيع صادرا من غير بالغ ، كما ذكره المصنّف رحمهالله ، فليتأمّل.
__________________
(١) فرائد الاصول : ص ٤٢١ سطر ١٠ ، ٣ / ٣٧٥.