الإكرام شيء لم يدلّ عليه دليل ، فالأصل براءة الذمّة عنه ، ولا يعارضه الأصل براءة الذمّة عن وجوب أحدهما مخيّرا ، لأنّ وجوب أحدهما ـ وهو إكرام زيد ـ معلوم في الجملة ، وكونه مخيّرا ليس بتكليف حتّى ينفيه أدلّة البراءة ، بل توسعة وتخيير ، نظير ما لو دار الواجب بين كونه مضيقا أو موسّعا ، فانّه ينفى الوجوب المضيّق بالأصل ، ولا يعارضه الأصل براءة الذمّة عن وجوب موسع ، كما هو واضح.
وإن شئت قلت : إنّه إن اريد بجريان أدلّة البراءة في أحدهما المخيّر إثبات الرّخصة في ترك كلّ منهما مع ترك الآخر ، فهو ممّا لا يجوز ، لكونه مخالفة قطعية للحكم المعلوم بالإجمال.
وإن اريد به نفي وجوب أحدهما المخيّر ، من حيث كونه مخيّرا ، بأن يقال في المثال الأصل براءة الذمّة عن وجوب إكرام زيد أو عمرو على سبيل التخيير ، فهو غير صحيح ، لأنّ وجوب إكرام أحدهما على سبيل التخيير ـ بعد ثبوت أصل الوجوب في الجملة ـ توسعة وتسهيل ، وليس بكلفة ينفيه أدلّة البراءة.
وإن اريد به إثبات الرّخصة في ارتكاب أحدهما على سبيل التخيير ، فهو عبارة اخرى عن أصالة براءة الذمّة عن خصوص المعيّن.
والحاصل : إنّ اصالة براءة الذمّة عن الواحد المخيّر ، بعد ثبوت أصل الوجوب في الجملة ، ممّا لا يكاد يرجع إلى محصّل.
نعم ، لو اريد بأدلّة البراءة ، اصالة عدم تعلّق الوجوب بالقدر المشترك الحقيقي ، كما في التخيير العقلي ، أو الانتزاعي كما في التخيير الشرعي ، كان للمعارضة المزبورة وجه ، ولكن لو اريد به نفي الآثار الخاصّة ، الثابتة لوجوب القدر المشترك ، لا جواز تركه المعلوم سببيّته لاستحقاق العقاب ، لا يقال وجوب الواحد المعيّن معلوم في الجملة ، فلا تجري بالنسبة إليه اصالة عدم الوجوب ، خصوصا إذا كان التخيير على تقدير ثبوته شرعيا ، حيث علم تفصيلا بكونه بالخصوص متعلّقا لطلب شرعي