كإسكان عالم في داره ، وتردّد العالم بين أشخاص تعذّر إسكان بعضها ، اتّجه مقايسته بالحرام في التفصيل بين ما لو كان بعضا معيّنا أو غير معيّن ، قبل تنجّز التكليف أو بعده ، على حسب ما عرفته في الشّبهة التحريمية ، فلاحظ وتأمّل.
واعلم أنّ أغلب ما سطّرناه في المقام منقول عمّا حرّرناه في مبحث القبلة من كتابنا المسمّى ب «مصباح الفقيه» ، فلعلّك لو تأمّلت فيما كتبناه في ذلك المبحث زائدا على ما نقل ، لحصل لك مزيد إذعان بالمطلوب ، فلاحظ وتدبّر.
قوله قدسسره : امّا العقل ، فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلّف بمركب ... الخ (١).
أقول : توضيح المقام بحيث يرتفع به غشاوة الأوهام ، ويتّضح به ملخّص مرام المصنّف رحمهالله هو أنّ الكلام يقع في مقامين :
أحدهما : وهو الذي عقد له هذا الباب ، أنّه عند دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر ، هل التارك للجزء المشكوك مع إتيانه بما عداه من الأجزاء يعدّ عاصيا في حكم العقل والعقلاء ، فيحسن عقابه كما في المتباينين أم لا؟
ثانيهما : إنّه بعد البناء على عدم استقلال العقل بحسن العقاب ، وعدم كونه عاصيا في حكم العقلاء ، بالنظر إلى ذلك التكليف من حيث هو ، هل العقل يحكم بوجوب الاحتياط في الأحكام الشرعية ، لإحراز مصلحتها الواقعية الملزمة الموجبة للأمر الشرعي أم لا؟
أمّا الكلام في المقام الأوّل فنقول : لا شبهة في أنّه إذا عزم العبد على إطاعة المولى ، وبذل جهده في تعيين موضوع أمره ، ولم يطّلع إلّا على عدّة أجزاء ، واحتمل إرادته اجزاء أخر لم يصل إليه بيانها ، أو لم يتعرّض المولى لبيانها ، ولو لعجزه عن
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٧٣ سطر ٢ ، ٢ / ٣١٨.