قريب. وحيث كان الأمر كذلك ، فنقول.
قوله هنا : «لكنّا إذا قلنا كمال ـ إلى قوله ـ : لكنّا نقول»
ادّعاء بمجرّد إطلاق الكمال على النفس لا يعلم منه جوهريّتها أو عرضيّتها ، وذلك ظاهر.
وقوله (١) : «لكنّا نقول : إنّه لا شكّ لنا في أنّ هذا الشيء ليس بجوهر بالمعنى الذي يكون به الموضوع جوهرا ، ولا أيضا بالمعنى الذي يكون به المركّب جوهرا ، فأمّا جوهر بمعنى الصورة فلننظر فيه» ـ إلى آخر ما ذكره ـ بيان لذلك الادّعاء.
وتحريره : أنّه لا شك لنا في أنّ هذا الشيء الذي بوجوده يصير الحيوان بالفعل حيوانا ، والنبات بالفعل نباتا ، وسمّيناه بالنفس ، ليس بجوهر بالمعنى الذي يكون به الموضوع جوهرا ، على ما بيّنه فيما نقلناه عنه في الإلهيّات من معنى الموضوع ومعنى جوهريّته ، إذ لم نعتبر ذلك الشيء موضوعا ، حتّى يكون جوهريّته بمعنى جوهريّة الموضوع. بل ولم نعتبره محلّا مطلقا أيضا على ما بيّنه هنالك من معناه ومعنى جوهريّته ؛ فلا يكون جوهريّته بمعنى جوهريّة المحلّ مطلقا أيضا ، ولا أيضا يكون جوهريّة ذلك الشيء بالمعنى الذي يكون به المركّب جوهرا ، على ما بيّنه أيضا هنالك من معنى المركّب ومعنى جوهريّته ، اذ لم نعتبر ذلك الشيء مركّبا أيضا. وبالجملة لا يكون جوهريّته بمعنى جوهريّة الجسم وجوهريّة مادّته ، إذ لم نعتبره شيئا من ذلك ، بل إنّما اعتبرناه كمالا هو باعتبار ما فصل ، وباعتبار ما صورة.
وحيث اعتبرناه كذلك ، فلننظر في أنّه هل يلزم من اعتباره كمالا جوهريّته ، بمعنى جوهريّة الصورة في الجسم التي هي باعتبار ما فصل وكمال له؟ فنقول : إن قال قائل : إنّي أقول للنفس جوهر ، وأعني به الصورة خاصّة ، ولست أعني به معنى أعمّ من الصّورة بحيث يشمل الموضوع والمركّب ونحوهما أيضا ، بل معنى أنّه جوهر معنى أنّه صورة ، وهذا ممّا قاله خلف منهم ، فحينئذ فلا يكون مع هذا القائل موضع بحث ونزاع واختلاف
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٨ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.