أيضا من أحد هذين الوصفين ، فإن كان الموضوع جوهرا ، فقوام العرض في الجوهر ، وإن لم يكن جوهرا ، كان أيضا في موضوع ، ورجع البحث إلى الابتداء ، واستحال ذهاب ذلك إلى غير النهاية (١) ، كما سنبيّن في مثل هذا المعنى خاصّة.
فيكون لا محالة بآخره (٢) فيما ليس في موضوع ، فيكون في جوهر ، فيكون الجوهر مقوّم العرض موجودا ، وغير متقوّم بالعرض ، فيكون الجوهر هو المقدّم في الوجود.
وأمّا أنّه هل يكون عرض في عرض ، فليس (٣) ذلك بمستنكر ، فإنّ السرعة في الحركة ، والاستقامة في الخطّ ، والشكل المسطّح في البسيط ، وأيضا فإنّ الأعراض تنسب إلى الوحدة والكثرة ، وهذه ـ سنبيّن لك ـ أنّ (٤) كلّها أعراض. والعرض ـ وإن كان في عرض ـ فهما جميعا في موضوع. والموضوع بالحقيقة هو الذي يقيمهما جميعا ، وهو قائم بنفسه.
ثمّ قد جوّز كثير ممّن يدّعى المعرفة أن يكون شيء من الأشياء جوهرا وعرضا معا بالقياس إلى شيئين ، وقال (٥) : إنّ الحرارة عرض في غير جسم النار ، لكنّها في جملة النار ليست بعرض ، لأنّها موجودة فيها كجزء. وأيضا ليس يجوز رفعها عن النار والنار تبقى. فإذن وجودها في النار ليس وجود العرض فيها ، فإذا لم يكن وجودها فيها وجود العرض ، فوجودها فيها وجود الجوهر.
وهذا غلط ، كبير (٦) قد أشبعنا القول فيه في أوائل المنطق ، وإن لم يكن ذلك موضعه ، فإنّهم إنما خلطوا فيه هناك.
فنقول : قد علم ممّا سلف إنّ بين المحلّ والموضوع فرقا ، وأنّ الموضوع يعنى به ما صار بنفسه ونوعيّته قائما ثمّ صار سببا لأن يقوم به شيء فيه ليس كجزء منه ، وأنّ المحلّ كلّ شيء يحلّه شيء فيصير بذلك الشيء بحال ما ، فلا يبعد أن يكون شيء موجودا في المحلّ (٧) ، ويكون ذلك المحلّ لم يصر نفسه (٨) نوعا قائما كاملا بالفعل ، بل إنّما تحصّل
__________________
(١) في المصدر : إلى غير نهاية ...
(٢) لا محالة آخره ...
(٣) فليس بمستنكر ...
(٤) سنبيّن لك كلّها ...
(٥) فيقول ...
(٦) وقد أشبعنا ...
(٧) في محلّ ...
(٨) بنفسه.