أنّه لو كان لا يشاء لما كان يفعل ، كما أنه إذا شاء فيفعل. فإذا (١) صحّ أنّه إذا شاء فعل ، صحّ أنّه إذا فعل فقد شاء. أي إذا فعل فعلا (٢) من حيث هو قادر ، فيصحّ أنه إذا لم يشأ لم يفعل ، وإذا لم يفعل لم يشأ. وليس في هذا أنّه يلزم أن لا يشاء وقتا ما ، وهو بيّن لمن عرف المنطق.
وهذه القوى التي هي مبدأ الحركات (٣) والأفعال ، بعضها قوى تقارن النطق أو التخيّل ، لأنّه (٤) ، يكاد أن يعلم بقوّة واحدة الإنسان واللاإنسان ، ويكون بقوة واحدة أن يتوهّم (٥) أمر اللذّة والألم ، وإن لم يتوهّم (٦) بالجملة الشيء وضدّه.
وكذلك هذه القوى أنفسها أو خادمها تكون قوّة على الشيء وعلى ضدّه ، لكنّها بالحقيقة لا تكون قوّة تامّة ، أي مبدأ التغيّر من آخر (٧) في آخر بأنّه آخر بالتمام وبالفعل ، إلّا إذا اقترن بها الإرادة منبعثة عن اعتقاد وهميّ تابع لتخيّل شهو انّي أو غضبيّ ، أو عن رأي عقليّ تابع لفكرة عقلية ، أو تصوّر صورة عقليّة. فيكون (٨) إذا اقترن بها تلك الإرادة ولم تكن إرادة مخيّلة بعد ، بل إرادة جازمة ، وهي التي هي الإجماع الموجب لتحريك الأعضاء ، صارت لا محالة مبدأ بالفعل للفعل (٩) بالوجوب ، إذ قد بيّنّا أنّ العلّة ما لم تصر علّة بالوجوب حتّى يجب عنها الشيء ، لم يوجد عنها المعلول ؛ وقبل هذه الحال فإنّما تكون الإرادة ضعيفة لم يقع إجماع. فهذه القوى المقارنة للنّطق بانفرادها ، لا يجب من حضور منفعلها ووقوعها (١٠) منها بالنسبة التي إذا فعلت فيه فعلت بها ، وأن يكون (١١) يفعل بها وهي بعد قوّة.
وبالجملة لا يلزم من ملاقاتها للقوّة المنفعلة أن تفعل ذلك ، وذلك لأنّه لو كان يجب عنها وحدها أن تفعل ، لكان يجب من ذلك أن يصدر عنها الفعلان المتضادّان والمتوسّطان (١٢) بينهما ، وهذا محال ؛ بل إذا صارت كما قلنا فإنّها تفعل بالضرورة.
__________________
(١) في المصدر : وإذا صحّ ...
(٢) إذا فعل من حيث ...
(٣) للحركات ...
(٤) والتخيّل ، وبعضها قوى لا تقارن ذلك. والتي تقارن النطق والتخيّل تجانس النطق والتخيّل ، فإنّه يكاد ...
(٥) لقوّة واحدة أن تتوهّم ...
(٦) وأن تتوهّم بالجملة ...
(٧) مبدأ تغيّر من أمر لآخر ...
(٨) فتكون ...
(٩) مبدأ للفعل ...
(١٠) ووقوعه منها ...
(١١) فعلت فيه فعلا ، فعلت بها أن يكون يفعل ...
(١٢) والمتوسّطات.