بل نقول : إنّ القيام بالذّات له معنيان :
أحدهما أنّه ليس بمحتاج في وجوده وتحصّله إلى غيره مطلقا ، وهذا المعنى مختصّ به تعالى ليس يوجد في غيره تعالى ، لا في الجسمانيّات ولا في المجرّدات.
والثاني أنّه مع احتياجه إلى فاعله في ذلك غير محتاج إلى المادّة فيه ، وهذا المعنى لا يتحقّق فيه تعالى ، ويتحقّق فى غيره ممّا هو كذلك ، كالجسم وكالمجرّدات. وكيفما كان ، فلا يلزم من وجود مجرّد سواه تعالى ، اشتراكه معه في معنى القيام بالذّات ، حتّى يلزم الاشتراك فيما هو مختصّ به تعالى ، فضلا عن أن يكون هناك اشتراك في ذاتيّ. حيث إنّ القيام بالذّات بكلا المعنيين لا نسلم أنّه أمر ذاتيّ لشيء ؛ فتبصّر.
وحيث عرفت ما ذكرنا وبيّنا [في] شرح الحديث الشريف ، عرفت أنّ الاستدلال به على عدم مجرّد سوى الله تعالى في غاية الضّعف ، بل أنّه لو أمكن الاستدلال به على شيء ، لكان دالّا على ثبوت مجرّد سواه تعالى كما عرفت. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
ثمّ اعلم أنّه ربّما ذهب ظنّ بعض من العلماء المتأخّرين (١) إلى الاستدلال على عدم كون مجرّد سوى الله تعالى بما تضمّنه الدعاء الذي دعا به سيّد السّاجدين وزين العابدين عليه وعلى آبائه المعصومين وأولاده الطّاهرين أجمعين أفضل التحيّات وأكمل الصّلوات في التضرّع إلى الله تعالى ، وهو مذكور في الصّحيفة الكاملة (٢) ، قال عليهالسلام : «لك يا إلهي وحدانيّة العدد ، وملكة القدرة الصّمد ، وفضيلة الحول والقوّة ، ودرجة العلوّ والرّفعة ، ومن سواك مرحوم في عمره ، مغلوب على أمره ، مقهور على شأنه ، مختلف الحالات ، متنقّل في الصّفات».
فلا بأس أن ننظر في كيفيّة الاستدلال على المطلوب ، ثمّ الجواب عنه.
بيان الاستدلال : انّ ذلك المستدلّ زعم أنّ قوله عليهالسلام : «ومن سواك مرحوم في عمره» ـ الى آخره ـ حيث يدلّ على أنّ من سواه تعالى مطلقا مختلف الحالات متنقّل في
__________________
(١) وهو بعض الفضلاء القميّين. منه (ره).
(٢) الصحيفة السّجاديّة / ١٩٤ و١٩٥ ، الدعاء ٢٨ ، طبع طهران.