وقد علمت فيما نقلنا عن الشيخ في «الشفاء» أوّلا ، أنّه قال : إنّ ذلك الأمر الحاصل في كلّ إدراك جزئيّ أو كلّيّ هو صورة المدرك صورة مجرّدة عن المادّة ولواحقها نحوا من التجريد الحاصل في كلّ إدراك ، وأنّ كلّ إدراك إنّما هو أخذ صورة المدرك بنحو من الأنحاء ، وإن كان قد أطلق على مدركات الوهم اسم المعاني أيضا ، أي المعاني التي يأخذها عن المادّة ، سواء كانت تلك المعاني أنفسها مادّيّة ، كالشكل واللون والوضع ، أو غير مادّيّة ، لكن قد يعرض لها أن تكون مادّية كالخير والشّرّ والموافق والمخالف.
وفيما نقلنا عنه في «الإشارات» أنّه قال : إنّ إدراك الشيء ـ أي مطلقا ـ هو أن يكون حقيقته متمثّلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك ، فأطلق عليه اسم الحقيقة ، أي الحقيقة المتمثّلة من المدرك عند المدرك ، وإن كان أطلق عليه بعد ذلك اسم مثال الحقيقة أيضا ، وكذا أطلق على مدركات الحواسّ مطلقا اسم الصورة ، أي الصورة المتمثّلة من المدرك فى المدرك ، وعلى مدركات العقل اسم الماهيّة ، أي الماهيّة المجرّدة من اللواحق الغريبة المشخّصة.
وفيما نقلنا عنه في «الشفاء» أخيرا إنّه قال في صورة حصول العلم ، أي الإدراك الكلّيّ : أنّ ذلك الأمر الحاصل هو صور الموجودات مجرّدة عن موادّها ، فأطلق عليه اسم الصورة ، وإن كان قد أطلق عليه أيضا اسم الماهيّة ، والمعقول من الماهيّة ومعنى الماهيّة والآثار الحاكية لها.
فحريّ بنا أن ننظر في ذلك ، أي في بيان معاني هذه الألفاظ ، وبيان المراد منها ، وبيان مدلولات هذه الأسماء ، وفي بيان الوجه في كون حصولها على ذلك الوجه المخصوص سببا للإدراك.
فنقول : كما ذكر الشيخ في إلهيّات الشفاء في فصل في العلل العنصريّة والصوريّة والغائيّة (١) «إنّه (٢) قد يقال صورة لكلّ معنى بالفعل يصلح أن (٣) يعقل حتّى يكون الجواهر
__________________
(١) الشفاء ـ الالهيّات / ٢٨٢.
(٢) في المصدر : قد يقال ...
(٣) أن يفعل حتّى تكون.