وأمّا الذين جمعوا الأمرين ، فكالذين قالوا : إنّ النفس عدد متحرّك (١) لذاته ، فهى عدد ، لأنّها مدركة ؛ وهي محرّكة لذاتها ، لأنّها محرّكة أوّليّة.
وأمّا الذين اعتبروا أمر الحياة غير ملخّص.
فمنهم من قال : إنّ النفس حرارة غريزيّة لأنّ الحياة بها.
ومنهم من قال : بل برودة ، وإنّ النّفس مشتقّ من النّفس ، والنّفس هو الشيء المبرّد ، ولهذا ما يتبرّد بالاستنشاق ليحفظ جوهر النفس.
ومنهم من قال : النّفس (٢) هو الدم ، لأنّه إذا سفح الدم بطلت الحياة.
ومنهم من قال : بل النفس مزاج ، لأنّ المزاج ما دام ثابتا لم يتغيّر (٣) صحّة الحياة.
ومنهم من قال : بل النفس تأليف ونسبة بين العناصر ، وذلك لأنّا نعلم أنّ تأليفا ما يحتاج إليه حتّى يكون من العناصر حيوان ، ولأنّ النفس تأليف ، فلذلك يميل (٤) إلى المؤلّفات من النغم والأراييح (٥) والطعوم وتلتذّ بها.
ومن الناس من ظنّ أنّ النفس هو الإله ـ تعالى عمّا يقول (٦) الملحدون ـ وأنّه يكون في كلّ شيء بحسبه ، فيكون في شيء طبعا ، وفي شيء نفسا ، وفي شيء عقلا ، سبحانه وتعالى عمّا يشركون. فهذه هى المذاهب المنسوبة إلى القدماء الأقدمين في أمر النّفس ، وكلّها باطل. انتهى كلامه.
ثمّ أبطل هذه المذاهب والوجوه المبنيّة هي عليها واحدا بعد واحد بوجوه مبسوطة مفصّلة ، نقلها يوجب الإطناب ، فلذا لم نتعرّض لنقلها وتحريرها ، مع ما نرومه في هذا الفصل من بيان كون النفس جوهرا مجرّدا عن المادّة في ذاته ، إذا ثبت بالبيان الذي سنذكره ، يبطل به تلك المذاهب ، وفيه كفاية في إبطالها عند اولي الألباب ، بل إنّ فيما أشار إليه الشيخ ـ على ما نقلناه سابقا وحرّرناه من إثبات إنّيّتها ـ عنية في ذلك للمسترشد الطالب للصواب.
وبالجملة ، فإبطالها لا يحتاج إلى تجشّم برهان آخر غير ما ذكر ، بل إنّ هذه المذاهب
__________________
(١) في المصدر : محرّك ...
(٢) بل النفس ...
(٣) تتغيّر ...
(٤) تميل ...
(٥) الأراييح ...
(٦) يقوله.