وفاته بخمسة عشر يوما. انفقأت عيناه إلى داخل ، فكان ماؤهما يسيل من أنفه.
واحتاج في الآخر إلى زوجة فباع الدّابة ، واستعان بما يصرفه لعلفها في حقّ الزّوجة. واتّفق أنّ أباها وجد الجرّة الّتي يشرب منها الشّيخ قد وصلتها الشّمس ، فحوّلها إلى الظّلّ ، وكانت طريقة الشّيخ تقتضي أنّ هذا القدر يمنعه من الانتفاع لأنّه يرى بها منفعة لم يعاوض عليها. فلمّا استدعى الماء قالت له الزّوجة : ما هاهنا ماء تشربه. فسألها عن القضيّة فأخبرته ، فأعجبه نصحها ، وبات وأصبح صائما ، وطوى حتّى جاء الّذي كان يستقي له.
سألته كم لك ما أوقدت عليك سراجا؟ فقال : نحو من ستّين سنة ، ما تركته عن علم بما ورد في الحديث ، والبيوت ليس فيها مصابيح. ولكن بلغني بعد. وإنّني لمّا انقطعت عن النّاس اتّفق ليلة أنّ السّراج انطفأ لعارض ، فوجدت نفسي قد استوحشت لفقده فقلت لها : ترين هذا شغلا معتبرا وأنسا منقطعا ، لا حاجة لي فيه. وكنت بمكّة شابّا وإلى جانبي جنديّ ، فلمّا كان اللّيل سمعته يقدح وبيننا كوّة ، فأغمضت عينيّ ليلتي كلّها.
وكان يقول : الدنيا دار أسباب ، من زعم أنّ التوكّل إسقاط السّبب بالكلّية فهو غالط.
وقال : قال لي صوفيّ : نحن ما نرى الأسباب ، فقلت له : ما صدقت ، لو صفع الأبعد إنسان أكنت لا تراه البتّة ولا يؤثّر فعله فيك؟ فسكت.
فقال : أمّا أنا فأرى الأسباب لكنّ ما أقف عندها.
خرج إلى الشّيخ وزير والسّاقية تدور بالدّولاب ، فأراد أن يبسط المجلس فقال : يا سيّديّ أيش ترى في بغلتي ندوّرها في السّاقية؟ فقال له : ولا أنت ما أرى أن أدوّرك فيها. فانبسط الرجل ، ثمّ قال الشّيخ على عادته : ارحلوا. فقال الوزير : لما ذا تطردنا؟ قال : لأنّ القعود معكم ضياع.
وخرج إليه أكابر فقال واحد منهم : هذا طبيب السّلطان ، يعني الكامل.
فقال الطّبيب : ما نحن أطبّاء بل نحن أعلّاء ، إنّما الأطبّاء الأولياء.