لقتله ، وقلت له حتّى أنذرك (...) (١) هذه الأولى. فثبت على حاله ، فقلت : انصرف وإلّا قتلتك هذه الثّانية. فامتدّ ، فرأيت هولا مهولا ، فقلت له : الثّالثة ما بقي سواها. فتحرّك واستدار وصفّر ، وأخرج يدين على صورة الحرذون ، فقلت : ما أنت ثعبانا ولا حرذونا. وعرفت أنّه جانّ.
وقال : كنت أربط الحطب ، فإذا بي قد أحسست ألما في عقبي ، فظننتها شكّة دخلت فيه ، فلمّا أكملت ربط الحزمة نظرت فإذا حنش قد التفّ على ساقي ، وقد نهشني ، ونشبت أنيابه ، فألهمت أن قبضت على حنكه وخنقته ، ففتح فاه وتخلّص نابه ، وانبعث الدّم.
قال : فطرحت الحنش ومسحت الدّم ، وما زدت على أن توضّأت وغسّلت مكان النّهشة ، وأحسست بالسّمّ إلى أن صعد إلى وسطي فوقف.
فلمّا كان بعد سنة صار مكان اللّسعة بثرة ، فقرضتها بالمقراض ، فخرج منها ماء أصفر ، فقدّرت أنّه السّمّ دار في بدني ، ثمّ عاد إلى موضعه ، وكفى الله.
وكان في جبهته ثؤلول تزايد حتّى صار سلعة ، فكنت أراه وقت السّجود يجتهد في تمكينه من التّراب. ثمّ تفاقم أمره. وكان يهاب أن يكلّم في مثل هذا. فدخلت يوما فوجدت تلك السّلعة قد ذهبت بقدرة الله ، ومكانها كأن لم يكن فيه شيء غير أثر يسير جدا. فقلت له حينئذ : الحمد لله على العافية. فقال : كانت تشوّش عليّ في السّجود ، وما كان لها دواء إلّا تمكينها من التّراب ، فلم أشعر بها إلّا وقد انفقأت.
وقد تزوّج بصبيّة في شبيبته ولم يدخل بها. وطلّقها لمّا تجذّم.
وقد ضعف بصره في الآخر ، فأصبح يوما قلقا وقال : دعوت البارحة إن ابتليتني بشيء فلا تبتليني بالعمى ، وإن كان ولا بدّ فلا تمهلني بعد بصري. ودمعت عيناه عند الحكاية ، فأحسست أنّه لا بدّ له من العمى. وعمي قبل
__________________
(١) في الأصل بياض.