قال الشّيخ : وأشار إليّ فلم أقره فقلت : اعلم أنّ مثل المشار إليه بالولاية كمثل الطّبيب ، كم علّل من عليل فما أفاد. أما داويت أحدا فمات ولم ينجع فيه الدّواء؟ فقال : كثير. فقلت : وكذا الجانب الآخر.
وكان يرى أنّ ترك التّسبّب والاعتماد على الفتوح غلط ، ويقول : انتقل من سبب نظيف إلى سبب وسخ. وذلك لأنّ الاحتراف سبب شرعيّ ، والكدّية سبب مذموم ، وليته يبسط يده خاصّة ، ولكنّه يقول : أنا صالح فاعطوني. ترى ما ذا يبيعهم إن باعهم عمله فبيع الدّين بالدّنيا ، كبيع الثّمرة قبل بدوّ صلاحها ، لعلّه عند الخاتمة يوجد مفلسا ، فالحبس أولى به. وصدق الشّيخ ، قال بعض المشايخ : من قعد في خانقاه فقد سأل ، ومن لبس مرقّعة فقد سأل ، ومن بسط سجّادة فقد سأل.
وقال : هممت بمكّة بالتّجرّد وبيع الأملاك وإنفاقها ، ثمّ التّحول إلى الشّام ، والاقتناع بمباحات الجبال ، فسألت فصح عندي أنّه ليس في الجبال ما يقيم البنية دائما ، فقلت : ما بيدي أنظف من الحاجة إلى النّاس. أردت أن أعيش فقيرا ذليلا ، وأراد الله لي أن أعيش غنيّا عزيزا ، فله الحمد. وعزمت على الإقامة بالبرّ ، ليس لأستريح من شبهة ماء النّيل الجاري في الخليج. فإذا أكثر عيش أهلها السّمك ، وهو بضمان. فقلت : مشبّهة ماء النّيل أخفّ. وكان يستحسن طريقة سلمان الفارسيّ ، ويحصّل قوت كلّ سنة.
وكان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (...) (١) من خيبر قوت عياله سنة.
وله في ورعه حكايات ، ذكرها المؤلّف منها أنّ بعضهم رآه يحصد في بستانه ، ويترك أماكن ، فسأل الشّيخ وألحّ عليه فقال : إنّ ظلال نخيل الجار السّاعة ممتدّة ، وأنا أتحرّى أن لا أستظلّ بظلّه. فإذا زال الظّلّ حصدتها.
وكان إذا انفلتت له دجاجة ، إلى الطّريق تركها بالكليّة لأنّه يجوّز أن تكون التقطت شيئا.
__________________
(١) في الأصل بياض.