كان [الأمر (١)] كذلك ، فقولنا بعد هذا الكلام : إنه حصل ذلك الرجحان لا لمرجح زائد : كلام متناقض لما سبق. لأنا على هذا التقدير ، سلمنا أن المفهوم من قولنا : يرجح ، زائد على المفهوم من كونه قادرا. فقولنا : إنه لا لمرجح زائد : يكون جمعا بين النفي والإثبات ، وأنه محال. فقولنا : القادر يرجح : يفيد إثباتا زائد على كونه قادرا. وقولنا : لا لمرجح : يفيد نفيه. فكان هذا جمعا بين النقيضين. وأنه فاسد.
وأما الاحتمال الثاني : وهو أن يقال : [إنه (٢)] ليس لقولنا : يرجح : مفهوم زائد على كونه (٣) قادرا. فحينئذ يرجع حاصل هذا الكلام : إلى أن القادر الذي نسبته إلى الفعل وإلى الترك على السوية ، والمريد الذي كانت نسبة إرادته إلى الفعل وإلى الترك على السوية : فإنه حال [بقائه (٤)] على هذا الاستواء يدخل ذلك الفعل في الوجود ، من غير أن يخصصه ذلك القادر بالإيقاع والترجيح. ومعلوم أن ذلك مدفوع في بدائه العقول ، بل هذا تصريح بأن هذا الفعل وقع [لا (٥)] بإيقاع الفاعل ، بل على سبيل الاتفاق من غير تأثير مؤثر ، وإيجاد موجد. ومعلوم أنه باطل. وأما الأمثلة التي ذكروها ، فهي محض التلبيس. [وذلك (٦)] لأن المخير بين شرب قدحين من الماء فإنه [ما (٧)] لم يمد يده إلى أخذهما [وما لم يحص أحدهما (٨)] بالقصد إلى أخذه ، فإنه لا يترجح أخذ [ذلك (٩)] القدح على أخذ القدح الثاني. فرجحان ذلك القدح على غيره ، إنما كان لأن ذلك الفاعل خصه بتوجيه القصد إليه ، وبمد اليد إليه. فكيف يقال : إنه ترجيح أحد المقدورين على الآخر لا لمرجح؟ بل المثال المطابق لقولهم : أن يقال : إن ذلك الإنسان بقي مترددا بين أخذ [أحد (١٠)] هذين القدحين ، ولم يخص واحدا منهما بتوجيه القصد إليه ، ولا بمد اليد إليه. ثم إن أحد ذلك القدحين ، ارتفع بنفسه وانصب في حلقه.
__________________
(١) من (ط ، س)
(٦) من (ت)
(٢) من (ط).
(٧) من (ط ، س)
(٣) من (ت)
(٨) من (ت)
(٤) من (ط)
(٩) هذا (ط)
(٥) من (ط)
(١٠) من (ط ، س)