أن يحدث فلك الثوابت بحيث [كان (١)] يحصل من أول حدوثه إلى الآن ألف ألف دورة ، أم لا؟ فإن كان ذلك ممتنعا ، فقد عاد الحديث (٢) المذكور من أن العالم كان ممتنع الوجود لعينه ، ثم انقلب ممكن لعينه ، وهو محال ، وإن كان ذلك ممكنا ، فهذا هو المراد من القبلية والبعدية ، سواء عبر عنه بهذا اللفظ أم لا.
وأما الجواب الثامن : وهو قولهم : القادر يمكنه ترجيح أحد الطرفين على الآخر لا لمرجح. فنقول : هذا الجواب : ضعيف وذلك لأن القادر هو الذي يكون متمكنا من الفعل ، ومن تركه ، بدلا عنه. فنسبة هذه القادرية إلى الطرفين على السوية ، فإما أن يكون هذا القدر كافيا في أن يكون مصدرا للفعل بعينه ، وإما أن لا يكون كافيا فيه. فإن كان كافيا فيه كان ذلك ترجيحا (٣) لأحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح وهو محال. وأيضا : فنحن نجد من أنفسنا وجدانا ضروريا أن هذا القدر لا يكفي في وقوع أحد الطرفين ، بل ما لم يرجح أحد الطرفين على الآخر بسبب قصد وميل وترجيح ، لم يحصل (٤) الرجحان. وأيضا : فعلى هذا التقدير يكون وقوع هذا الفعل : محض الاتفاق العاري عن كل الأسباب. وأما [إن (٥)] لم يكن مجرد القادرية كافيا في حصول هذا الرجحان ، فحينئذ يجب انضمام أمر آخر إليه ، وحينئذ يسقط هذا الجواب بالكلية.
واعلم أن قول القائل : القدار يرجح أحد مقدوريه على الآخر فهل لقولنا : يرجح مفهوم زائد على كونه قادرا ، أو ليس له مفهوم زائد؟ فإن كان الأول ، فحينئذ ظهر أن رجحان الفعل على الترك : ما حصل لمجرد كونه قادرا ، وإنما حصل عند انضمام هذا المفهوم الزائد إلى أصل القادرية. وإذا
__________________
(١) كان (ط).
(٢) البحث (ط).
(٣) رجحانا (ط)
(٤) ثم حصل (ت)
(٥) من (ط)