وسنين أيضا : أن الإيجاد والتكوين لا يمكن إلا بالقصد (١) إلى الإيجاد ، ونبين أن ماهية العزم مخالفة (٢) لماهية القصد ، ونبين أن العزم على الفعل ، يمتنع أن ينقلب بعينه قصدا إلى الفعل ، وأنه لا بد من الاعتراف بأنه يبطل ذلك العزم ، وأنه يحدث القصد (٣) وعند هذا يظهر فساد قول من يقول : إن ذلك العزم يكفي في إحداث العالم في الوقت المعين.
فهذه جملة الدلائل المذكورة على إبطال الجواب الأول.
وأما الجواب الثاني : وهو قولهم : إنما اختص حدوث العالم بذلك (٤) الوقت المعين ، لأجل أن إحداث العالم في ذلك الوقت أصلح وأنفع للمكلفين.
فنقول : هذا الجواب أيضا في غاية الضعف. والذي يدل عليه وجوه :
الحجة الأولى : إن الوقت المشتمل على المصلحة الراجحة. هل كان حاصلا (٥) في الأزل ، أو ما كان حاصلا. فإن كان حاصلا ، لزم حصول الفعل في الأزل. وإن قلنا : إنه لو كان حاصلا في الأزل ، مع أن ذلك الوقت أحد الأمور المعتبرة في المؤثرية ، فحينئذ يكون هذا قولا بأن كل ما لا بد منه في كونه تعالى مؤثرا في الفعل ، وموجدا له : ما كان حاصلا في الأزل. لكنا بينا بالدليل أن ذلك باطل.
الحجة الثانية : أن نقول : هب أن ذلك الوقت ، اختص بهذه الزيادة من المصلحة. إلا أنا نقول : اختصاص ذلك الوقت بتلك الزيادة من المصلحة ، هل يقتضي وجوب تخصيص إحداث العالم بذلك الوقت ، أو لا يقتضي وجوب هذا التخصيص؟ فإن كان الأول فحينئذ يكون إله العالم موجبا بالذات لا فاعلا
__________________
(١) إلا بقصد الإيجاب (ت).
(٢) مخالفة الفعل ونبين العزم (ت).
(٣) بالقصد (ت).
(٤) العالم بالوقت (ت).
(٥) حاضرا (ت).