كثيرا ، تعرض لهم شدة من الحر والبرد ، فلا جرم صارت ألوانهم متوسطة ، ومقادير أجسامهم معتدلة ، وأخلاقهم حسنة ، كأهل «الصين» و «الترك» و «خراسان» و «العراق» و «فارس» و «الشام» ثم هؤلاء من كان منهم أميل إلى ناحية الجنوب كان أتم في الذكاء والفهم (١) ، لقربه من منطقة «البروج» و «ممر الكواكب المتحيرة» وتكون حركاتهم أليق بحركات الكواكب في السرعة والخفة. ومن كان منهم أميل إلى ناحية المشرق ، فهو أقوى نفسا وأشد تذكيرا ، لأن المشرق يمين الفلك ، لأن الكواكب منه تطلع ، والأنوار من جانبه تظهر ، واليمين أقوى. ومن كان إلى ناحية المغرب فهو ألين نفسا وأشد تأنسا ، وأكثر كتمانا للأمور. لأن هذه الناحية منسوبة إلى «القمر» ومن شأن «القمر» [أن يكون (٢)] ظهوره بعد الكتمان.
وأما القسم الثالث من أهل الأرض : فهم الذين مساكنهم محاذية لبنات نعش. وهم «الصقالبة (٣)» و «الروس» فإنهم لكثرة بعدهم عن ممر «البروج» وحرارة «الشمس» صار البرد عليهم أبرد (٤) ، والرطوبة الفصلية أكثر. لأنه ليس هناك من الحر ما ينشفها وينضجها ، فلذلك صارت ألوانهم بيضاء ، وشعورهم سبطة شقرة ، وأبدانهم عظيمة رخصة ، وطبائعهم مائلة إلى البرد ، وأخلاقهم وحشية.
واعلم : أن كل واحد من هذين الطرفين. وهما الإقليم الأول والسابع ، فإنه يقل فيه العمران ، وتنقطع بعض العمارات عن بعض ، لغلبة الكيفيتين الفاعلتين ، ثم لا تزال العمارة في الإقليم الثاني والسادس والثالث والخامس تزداد ويقل الخراب فيه وأما الإقليم الرابع فإنه متواصل العمارات ، ويقل الخراب فيه.
__________________
(١) المؤلف يرحمهالله تعالى برحمته الواسعة من الريّ.
(٢) من (ت)
(٣) يقال : إن الروس من ولد يافث ، والعرب من ولد سام ، والأفارقة من ولد حام بن نوح عليهالسلام. ونسي القائلون بهذا القول : أنه خرج مع نوح عليهالسلام من السفينة : جماعة من المؤمنين ، صار لهم في الأرض نسل بعد الطوفان.
(٤) أغلب (ت)