ما إذا قيل : إن طلوع نور الشمس نفخ في أبدان الحيوانات قوة الحياة. وكلما كان طلوع ذلك النور أتم ، كان ظهور قوة الحياة في الأبدان أكمل. ثم كلما طلع قرص الشمس رأيت الناس وسائر الحيوانات يخرجون من مساكنهم (١) ، ويبتدئون الحركة. وما دامت الشمس صاعدة إلى وسط سمائهم ، كانت حركتهم في الزيادة [والقوة (٢)] فإذا انحدرت الشمس من وسط السماء ، فكأنها أخذت في الضعف ، لا جرم أخذت حركات أهل تلك المساكن وقواهم في الضعف. ولا يزال كذلك إلى زمان غيبوبة الشمس. فإذا غابت وظهر الظلام في العالم ، استولى الخوف والفزع ، والفتور والنقصان على الخلق. ورجعت الحيوانات إلى بيوتها وأحجارها. فإذا غاب الشفق ، هدأت الأبدان وسكنت. وصارت كالميتة المعدومة. فإذا طلع الصبح عليهم ، عادت الأحوال المذكورة مرة أخرى. وهذا يدل على أنه تعالى دبر أحوال النّير الأعظم ، بحيث صار كالسلطان لعالم الأجسام في السموات وفي العناصر.
والوجه الخامس من منافع الشمس : أنها متحركة. فإنها لو كانت واقفة في موضع واحد ، لاشتدت السخونة في ذلك الموضع ، ولاشتد البرد في سائر المواضع ، لكنها تطلع في أول النهار من المشرق ، فيقع [نورها (٣)] على ما يحاذيها من جهة المغرب ، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة ، حتى تنتهي إلى المغرب. فتشرق حينئذ على الجوانب الشرقية ، وحينئذ لا يبقى موضع مكشوف في الشرق والغرب ، إلا ويأخذ حظا من شعاع الشمس. وأما بحسب الجنوب والشمال ، فجعلت حركتها مائلة عن منطقة الفلك الأعظم ، فإنه لو لم يكن للشمس حركة في الميل (٤) ، لكان تأثيرها مخصوصا بمدار واحد ، فكانت سائر المدارات تخلو عن المنافع الحاصلة منه ، وكان يبقى كل واحد من المدارات على كيفية واحدة أبدا. فإن كانت حارة
__________________
(١) أمكنهم (ت)
(٢) من (س)
(٣) من (س)
(٤) الليل (ط)