كذلك ، لا جرم صار موضعها في الفلك المتوسط. كما أن دار الملك ، يجب أن تكون في وسط المملكة.
وبيانه : أن جملة العالم إحدى عشرة كرة ، خمسة منها فلك الشمس. وهي : فلك المريخ ، والمشتري ، وزحل ، وفلك الثوابت ، والفلك الأعظم. وخمسة أخرى في داخل فلك الشمس. وهي : فلك الزهرة ، وعطارد ، والقمر ، ثم الكرة اللطيفة وهي النار والهواء ، والكرة الكثيفة وهي الماء والأرض. فلما كانت الشمس كالسلطان لعالم الأجسام ، لا جرم جعل مكانها في وسط كرات العالم.
والوجه الثاني : أن القمر يزداد نوره وينتقص ، بسبب قربه من الشمس ، وبعده عنها. وكثيرون من الناس يزعمون : أن أنوار سائر الكواكب مقتبسة من الشمس. ولو لا أن جرم القمر ليس نوره نورا ذاتيا ، بل عرضيا مستفادا من الشمس ، وإلا لما عرض له الخسوف. [ولو لا الخسوف (١)] لتعذر معرفة موضعه الحقيقي من الفلك ، بسبب ما يحصل فيه من اختلاف المنظر ، لأجل قربه من الأرض. ولو لم يعرف الموضع الحقيقي للقمر ، لتعذر معرفة المواضع الحقيقية لسائر الكواكب. فكان حصول الخسوف للقمر ، كالمفتاح لمعرفة مواضع الأجرام النيرة الفلكية.
والوجه الثالث : أن الشمس إذا ظهرت ، اختفت بكمال شعاعها سائر الكواكب ، إلا أنها وإن خفيت ، إلا أن قوتها باقية. ولذلك فإنه يكون يوم من الصيف ، أحرّ من يوم آخر. وما ذاك إلا بسبب أن الشمس إذا قارنت في سيرها (٢) كوكبا حارا ، فإنه يزداد حر الهواء ، وبالضد منه في جانب البرد.
والوجه الرابع : إنا نرى جميع الحيوانات في الليل ، كالميتة. فإذا طلع نور الصبح (٣) ظهرت في أجساد الحيوانات ، نور الحياة. فيجري هذا ، مجرى
__________________
(١) من (ط).
(٢) ممرها (ط).
(٣) الشمس (ط ، س)