فقد يحصل تحرك إصبعه في تلك الحالة ، مع أنه يكون غافلا عن تلك الحركة. فقد حصل الفعل من غير الداعي. فالجواب عنه : إنه ما لم يقصد ذلك الفاعل إلى تحريك الإصبع ، فإنه لا يتحرك. فإن قالوا : فهب أن الأمر كذلك ، إلا أنه ليس له في ذلك الفعل منفعة أصلا ، فقد حصل الفعل من غير اعتقاده كون ذلك الفعل راجح المصلحة. قلنا : لا نسلم بل فيه ضرب من اللذة والمنفعة. فلم قلتم : إنه لم يوجد ذلك؟.
وبيانه من وجوه : الأول : إن البقاء على الحالة الواحدة مملول ، فهو يتحرك لتبديل الحالة المملولة. والثاني : إنه ربما اعتاد ذلك الفعل والإتيان بالأمر المعتاد لذيذ ، وتركه متعب مؤلم. والثالث : لعلة تخيل له أن له في تلك الحركة لذة ومنفعة. ثم في الحال تبدل ذلك التخيل بتخيل آخر ، وهو أن الأولى ترك تلك الحركة ، فلا جرم لم يشتغل بتحريك ذلك الإصبع ، إلا في زمان قليل. وكل هذه الاحتمالات ظاهرة جائزة.
وأما النائم فالسبب في حركاته وجوه : الأول : إن النائم حال نومه ، قد يرى أشياء (من الخيالات. وربما) (١) يحسب تلك الخيالات إرادات وكراهات ، فتكون حركاته المختلفة بحسب تلك الخيالات. والثاني : إن طول اضطجاعه على جنبه قد يورث الألم في ذلك الجنب. وقد بينا : أن النوم لا يمنع من حصول الخيالات : فلا جرم ينقلب من أحد الجنبين إلى الثاني لدفع ذلك الألم. الثالث : إن ذلك العمل قد يكون ضروريا ، أو شبيها به. مثل التنفس.
وقال الشيخ أبو علي بن سينا ، في الجواب عن هذه الشبهة : إن التخيل شيء ، والشعور بحصول ذلك التخيل في الحال شيء آخر. وبقاء ذلك التخيل (٢) في الذكر بعد زواله شيء ثالث ، وليس معنا إلا أنا لا نتذكر : أنا كنا
__________________
(١) زيادة.
(٢) التخيل (س).