غير مستحق للذم ليس لأجل أنه فعل الفعل الفلاني ، أو ترك الفعل الفلاني ، وإذا كان الأمر كذلك فسواء فعل أي فعل قدرا ، أو ترك أي شيء قدرا ، فإنه يمتنع كونه مستحقا للذم. وإذا كان الأمر كذلك امتنع أن يقبح من الله تعالى شيء. وامتنع أن يجب على الله تعالى شيء. وهذا كلام قاطع في هذا الباب. لا غبار عليه البتة (والله أعلم) (١).
الحجة الثالثة عشر : في إبطال القول بتحسين العقل وتقبيحه : أن نقول : استحقاق الذم حكم ثابت ، وكون الفعل ظلما يعتبر فيه قيدان عدميان ، وهما : كونه غير مسبوق بحياته ، وكونه غير ملحوق بعوض جائر ، فلو كان كونه ظلما يوجب استحقاق الذم ، لكان القيد العدمي جزءا من علة الحكم الوجودي وهو برهان.
الحجة الرابعة عشر : الصدق عبارة عن الخبر المطابق للمخبر عنه. والكذب هو الخبر الذي لا يطابق المخبر عنه ، ومن المعلوم أن الصدق والكذب نوعان داخلان تحت جنس الخبر. فإن الخبر نوع داخل تحت جنس الكلام ، والكلام عبارة عن اللفظة المؤلفة من الحروف ، المتعاقبة المتوالية. والموجود منها أبدا ، ليس إلا الحرف (الواحد ، وعند انقضائه يحصل الحرف) (٢) الثاني. وعلى هذا الترتيب. حتى يحصل الحرف الأخير من الكلمة ، وحينئذ تتم الكلمة ، فعلى هذا : الكلمة لا وجود لها البتة (في شيء من الأحوال والأزمنة وإنما الموجود منها هو الحرف الواحد ، والحرف الواحد ليس) (٣) ، كلاما واحدا. إذا ثبت هذا فنقول : الحرف الواحد ليس بخبر ولا بصدق ولا بكذب ، فيمتنع أن يوجب كونه حسنا أو قبيحا ، وأما بمجموع الكلمة فلا وجود له البتة ، وما لا وجود له البتة يمتنع أن يكون علة لكونه حسنا ، أو لكونه قبيحا. فيثبت بهذا البرهان : أن الكلام يمتنع أن يكون حسنا أو قبيحا لكونه
__________________
(١) من (م).
(٢) من (س).
(٣) من (س).