السبب قلنا : التكليف من علم الله منه أنه يكفر ليس بقبيح. وهذا هو الطريق (١) الذي عليه يعولون.
والطريق الثاني : طريقة هشام بن الحكم. وهي : أن هذه الإشكالات إنما تلزم لو قلنا : إنه كان عالما في الأزل بأن فلانا يكفر ، فإذا لم نقل بذلك ، بل قلنا : إنه تعالى لا يعلم هذه الجزئيات إلا عند وقوعها اندفع الإشكال.
والجواب : عن الأول (٢) من وجهين :
الأول : لا نسلم أنه تعالى سوّى بين المؤمن وبين الكافر. والدليل عليه : أنه لو كان الكافر مساويا للمؤمن في الذكاء والبلادة. وفي الإنصاف وعدم الإنصاف ، وفي الأعوان الخارجية وعدمهم ، لكان الدليل الذي سمعه المؤمن واستفاد منه العلم بالمدلول ، إذا سمعه الكافر وجب أن يستفيد منه ذلك المطلوب ، فلما لم يكن كذلك علمنا أن ذلك التفاوت إنما وقع للتفاوت في قوة الخاطر وبلادته. وإن استويا في ذلك لكنهما تفاوتا (في الرغبة في طلب العلم ، وإن استويا فيه لكنهما) (٣) تفاوتا في المصابرة على مشاق طلب العلم ، أو إن استويا ، لكنهما تفاوتا في كيفية المزاج في كون أحدهما صفراويا حاد المزاج ، محبا للخصومة والشغب ، وكون الآخر بلغميا ، بليد المزاج ، سريع الانقياد للغير ، وإن استويا في كل ذلك ، لكنهما تفاوتا في وجدان العلم والكتاب والزمان وفراغ البال. فإن بتقدير حصول الاستواء في كل هذه الأمور ، يمتنع وقوع التفاوت في العلم والجهل والإقرار والإنكار والإنصاف والعناد.
فيثبت بما ذكرنا : أن الذي يدعيه هؤلاء المعتزلة من التسوية بين المؤمن والكافر في جميع الأمور : باطل ، بعيد عن الدلائل والاعتبارات (٤)
والوجه الثاني في الجواب : إن المبادي والوسائل إنما تراد لغاياتها
__________________
(١) الحرف (م).
(٢) الطريق الأول.
(٣) من (م ، س).
(٤) لزيادة بيان اقرأ الجزء التاسع من المطالب العالية.